للوطن :

المثل أعلاه من أمثالنا الخليجية النض�’احة بالعبر والعظات، وهو يُقال لمن يُقدم على فعلٍ فيعود عليه بالوبال للمشورة عليه بأن «يبلعه» بهدوء ويتجر�’ع ثمن خطئه بلا معافرة.. استحضرته وأنا أتابع ضجة هيئة الكهرباء التي استيقظت بعد سبات لتقول للناس إنها تريد مستحقاتها «ألحين ألحين» ولا تريدها مجز�’أة أو على دفعات بل تريدها «نوط ينطح نوط».. وقد يكون هذا متيسراً لشعب لا يرزح نصفه تحت خط الفقر – أو – لمواطنين لم يراكموا فواتيرهم على مدى 4 سنوات.. ولكن الأمور هاهنا وصلت إلى مستوى لا تنفع معه التصريحات العنترية ولا التهديدات الجوفاء.. لذا فمن الأفضل للحكومة أن «تروق» وتفكر معنا في مخرج.. لاسيما أن هذا الوضع هو صنيع مكرمةً كافأت المتلكئين و«الملاوصية» على حساب الملتزمين، خالقاً بذلك ثقافة جديدة في التعامل مع مستحقات الحكومة. 
كان هذا هو الموجز.. وإليكم الأنباء بالتفصيل.

عندما تلفتت الحكومة، وجدت أن الأداء – ولنصفه تلطفاً بالمتواضع – لوزارة الكهرباء يحتاج إلى وزير استثنائي، قي�’ضت له وزيراً نهض بكفاءة بكل وزارة قادها – وهي كلمة حق لا ينكرها حتى مناوئوه – ولكن تجويد الخدمات وإعادة بناء البنية التحتية في بعض المناطق يحتاج إلى موازنة تملكها الهيئة، ولا تملكها، لكونها موزعة في السوق على هيئة مديونيات يقال إنها تجاوزت 100 مليون دينار.. بالطبع جُل هذه المبالغ هي متأخرات المؤسسات والشركات والقصور، ولكن – ومن منطلق أن المساواة في الظلم عدالة وتجنباً للتصادم مع أحد – قررت الهيئة أنها تريد استرداد حقوقها من الجميع وفورياً أيضاً..!

عدم منطقية الطلب أوجبت رفضه وأثارت اقتراحات لا تقل عنه مجانبةً للصواب.. إذ خرج البعض مطالباً بتصفير الفواتير المتكدسة تحت دعوى أن المواطنين لم يتعمدوا عدم الدفع – وهو قول نعرف جميعنا عدم صحته – فالمواطنون – ومن الشرائح كافة – يتواصون فيما بينهم بعدم الدفع منذ مكرمة الكهرباء في .2004 وقد سكتت الهيئة عن ذلك لسنوات وتهاونت في المطالبة، وعليها اليوم أن تتهاون في الاسترداد.. وتأخذ الناس على هون.

تستطيع مثلاً أن تفكر بطريقة ما لمكافأة من يبادرون بالتسديد سريعاً.. وبطريقة لمنح تسهيلات ونسبة تخفيض لمن يبادر بجدولة الدفع عبر الخصم مباشرة من الحساب البنكي.. وعليها أن تقسط – حتى للشركات والمتمكنين اقتصادياً، بالمناسبة، الذين لن يناسبهم دفع الآلاف دفعة واحدة – وبالطبع عليها أن تدرس طلبات إعفاء المعسرين.. كما يجب التركيز على إعادة النظر في تعرفة الكهرباء الجديدة.. تلك التعرفة تد�’عي الهيئة أنها لم تتغير وتكذبها في ذلك الفواتير كل شهر.

وفي كل الأحوال لا ننصح الهيئة – بالمناسبة – بالتهديد كأسلوب للتعاطي مع المشكلة؛ لأنها لا تملك الطاقة على تطبيق ما تهدد به.. كما لا ننصحهم – وسيغضب من قولنا البعض – بالدفع باتجاه مكرمة جديدة.. فحينها على الحكومة أن تدرس حقاً جعل خدمة الكهرباء مجانية؛ لأن الناس لن تدفع بعدها إلى أبد الآبدين!

ولمواساة الهيئة، نقول إن معاناتها مع استعادة حقوقها ليست فريدة حقاً، أخيراً فقط سمعنا أن مؤسسة الكهرباء السعودية تطالب المستهلكين بـ 22 ملياراً و118 مليون ريال للفترة من يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر/ أيلول الماضي فقط.. بل سمعنا خبراً ظريفاً عن عقد مؤسسة الكهرباء في صنعاء مؤتمراً بأكمله لمناقشة «رفع معدلات التحصيل وخفض الفاقد» وصف فيه وزير الكهرباء الوضع بأنه «الصعب للغاية». ربما يكون الوضع في البحرين أصعب – لا ندري – ولكن�’ا في كل الأحوال لم نسمع عن دولة قطعت النور عن نصف مواطنيها، خصوصاً إن�’ كان تخلفهم عن الدفع.. من خبز يدها.