للوطن :

يقال إن جيش صدام حسين لما عازه المدد في غزوه للكويت عمد إلى خطف الشبيبة من مدارسهم وقراهم وشحنوا في باصات حربية لتخوم الكويت؛ وهناك سلموا العداد وقيل لهم كونوا جنوداً.. وكان أولئك الجُند المحدثون أكثر من جّار وتخبط؛ كما وكان أول من استسلم أيضاً !!
لا أعرف لم تذكرت هذه ”الخبرية” وأنا أسمع الأطباء المتدربون وهم يشكون وطأة ما يلاقونه كمتدربين في مستشفى السلمانية؛ رغم البون الشاسع بين الموقفين. 

ففي اللقاء السري الذي جمعني بمجموعة وجلة من الأطباء المهتمين بإيصال أصواتهم للمسؤولين – والمرعوبين- في الوقت عينه؛ من تهديدات مسؤوليهم الذين توعدوهم بأغلظ الأيمان من مغبة مجالسة صحافي. تكشفت أمور عدة؛ أولها وأهمها أن الطبيب يُفترض أن يتلقى تدريباً عملياً تحت أيدي استشاريين لمدة تتراوح بين 4 – 6 سنوات قبل أن يباشر المهنة بنفسه.. ولكن الواقع أن هؤلاء الأطباء يرمون في ”معمعة” العمل الفعلي منذ الأسبوع الأول.. ” كنت لا أعرف حتى أسماء الأدوية – قال أحدهم – وطلب مني مباشرة عشرات المراجعين في العيادة!!”. 

” فعلياً – قالت أخرى- من يشرف بشكل مباشر على المتدرب الجديد هو متدرب مثله سبقه بعام أو عامين؛ فالاستشاريون أهم من أن يتولوا تدريب أحد”.. ”إننا باختصار نتدرب عن طريق التجربة والخطأ” قال أحدهم في لحظة صدق؛ ثم ندم.. وكأننا لا نعرف أنهم يعرفون أن مرضاهم في نهاية المطاف وبدئه؛ مرضى مشفى حكومي، ويجوز عليهم ما لا يجوز على سواهم..!! 

وفي ما تبدى لي أن وضع متدربي قسم الأطفال من بين هؤلاء كلهم هو الأكثر إلحاحاً.. فالطبيب المناوب وطبيب الأجنحة يشرفان على 4 أجنحة لا يقل عدد مرضاهم عن 120 طفلاً.. والأسوأ من ذلك أن التزامات هذا الطبيب تشمل تغطية غرفة العناية المركزة التي تحتاج ما تحتاج من عناية وتيقظ. 

”ألا يجدر أن يكون في العناية المركزة طبيب مناوب متواجد بشكل دائم لمباشرة الحالات الحرجة” تساءلت إحدى الطبيبات بغصة” أحياناً نكون في معرض حقن طفل بدواء، أو إيصاله بمحلول تغذية ” سيلان” فنفاجأ باستدعاء غرفة العناية المركزة الـ icu لنا.. وعندها نغدو بين خيارين مريرين: فأما أن نترك ما بين أيدينا وقد يكون في حاجة فورية لنا أو نهمل نداء الطوارئ الذي قد يكون ملحاً ” وأي خطأ يطرأ نتيجة لهذا الوضع المعوج نلام عليه بقسوة؛ وكأننا من خلق هذا الوضع المرتبك”.. 

”المرضى – قال طبيب مستاء – يصبون جام غضبهم علينا جاهلين أننا نعاني أكثر منهم جراء الضغط والنقص والنظام الذي يعاملنا على أننا عمال مقاولات لا أطباء نحتاج لصفاء ذهني لنحسن تقييم الحالات ونوليها الاهتمام الذي نستحق”.

” بالله عليك – قالت زميلته مؤيدةً – ماذا يتوقعون من طبيب يناوب أحياناً لمدة 36 ساعة متواصلة لا يحظى فيها إلا بسويعات من الراحة في هذا المبنى الخانق”.
أسئلة وهموم طرحها الأطباء.. نطرحها معهم بصوتهم.. ونسوق معها صوت الفئة الصامتة من المرضى؛ التي تدفع أكلاف هذا الوضع.. غالياً.