للوطن : في مطلع ديوانه الخالد تحدث جلال الدين الرومي ، العلامة وأحد أقطاب الشعر الفارسي، راوياً قصة الناي في إسقاط على الدين والشريعة أثار – آنذاك- حفيظة المتدينين لاسيما أنه شبه الناي بمعبر بين التعاليم من طرف ليخرج للناس نغماً رخيماً من الطرف الآخر… يقول الرومي «بتصرف» :
« استمع الى أنين الناي يأخذ في الشكاية ويمضي في الحكاية ويقول: ضج الناس بصوت التياعي. المحب يعتقد أني أتحدث عن عشقه ومحبوبته. والتعيس يعتقد أني أشكو حرمانه ولوعته، والسعيد يراني أغني له وأشاركه فرحه… كل امرئ يظن أني رفيقه وأني أحكي حاله… لكن أحدا لم يبحث بداخلي ولم يسمع حكايتي. انا لا أحكي حكاية السعيد ولا الحزين ولا المحب ولا الوحيد… أنا أحكي قصتي أنا، ولوعتي أنا، قصتي منذ أن اقتلعت من الغابة وقصة حنيني لأشجار الخيزران…
الكل يسمع أنيني ولكن لا أحد يسمعني….» انتهى
بعد كل تلك القرون مازالنا نرى هذا الوصف مصداقاً لحال ديننا الذي يشبه ذلك الناي المستوحش ، بل وتزيد السنون هذا الوصف صدقاً، فالمثقف المتنور يرى ديننا دين حضارة يملك مقومات التناغم مع العصر ومدنيته… والمتطرف في الكهوف يرى الدين دين تشدد وقوة وسيف… الجميل يرى الدين دين جمال وسماحة ورقي وسلام… والمنزوي في زوايا بيته ومنبره ومسجده يراه دين زهد وامتحان… من يفجر نفسه لشظايا تخطف أرواح الأبرياء يجد في الدين ما يسوغ فعله… ومن ينذر حياته لمحاربة هؤلاء وبسط العدالة والسلام يتكئ على تعاليم الدين وآياته أيضاً … كلنا يرى الدين كما يراه ويفهمه على هواه، وليس لأحد منا أن يحكم على فهم الآخر وقراءته للدين فكلنا يسمع الناي… كما يريد… 
في الأسبوع الماضي شهدنا في البحرين مماحكات عدة ، سمعت أن شبيهها وقع في الكويت أيضاً، تختلف التفاصيل ولكن العلة واحدة: أصوات تسو�’ق لنفسها على أنها ملكت نواصي الدين واحتكرت فهمه… بشر يصرون على أنهم صوت الله في أرضه… وآخرون يعتقدون أنهم ملكوا مفاتيح الجنة وبلورة تكشف ستر الأمس وخبايا الغد…!! 
اليوم، ما من أمة في العالم تعيش بين صفحات مغبر كتب التاريخ « الملفقة في مجملها» إلا نحن… وما من أمة استخدمت الدين كعصا لوقف عجلتها إلا نحن… في الصين هناك 180 ديناً وآلاف المذاهب والنحل، وفي الهند هناك 4 أديان كبرى وأكثر من 3000 مذهب وطريقة ومعتقد تختلف ركائز دينها وطقوسها وعباداتها ويُرى مثل ذلك في دول الغرب والشرق دون أن يكون هذا الاختلاف أداة فرقة وتشرذم… أما نحن كمسلمين فعجزنا، ونحن المنضوون تحت مظلة دين واحد ينبذ النبذ ويدعو للتسامح، عن تجاوز خلافات لا وزن لها في دين عظيم كديننا، ولكن وكما يقول طاغور:
( المرعى أخضر، ولكن العنز مريضة