:للوطن

مجموعة من المفرج عنهم قصدتني، وأخالها قصدت نفراً من الزملاء أيضا، حاملة رسالة استغاثة من القابعين في غياهب السجن بلا صوت يُسمع ولا مطالب تُلبى. في لقائي العابر بهم وجدتني أسألهم بلا هوادة عن كل شيء وأي شيء؛ فحياة السجون لطالما أثارت فضولي: كيف للمرء أن يعيش وهو يرى الحياة ماضية بدونه؟! وكيف لا يفقد المرء عقله في السجن؟!
ربما هي مكنزمات الدفاع في العقل البشري التي سرعان ما تجد مطامس للآلام؛ أو هي ربما ألفة الانقطاع التي تفقدك لوعة العزلة تدريجيا.. في كل حال لا أعتقد أن محنة السجن محنة عابرة وليست بمحنة فردية أيضا.. فهي تلعي الأسرة وتشطي الأهل وتغير معالم الحياة بأكملها. 

في حواري الممتد معهم مح�’صنا نقاطاً عدة راعيت صياغتها في نقاط لأصبها في ضمائر المسؤولين وعلى رأسهم وزير الداخلية الموقر. وعليه المعو�’ل والمتكأ، أن يجتث هذه المشاكل ويحلحلها.

1- الرتابة كنوع من أنواع العقاب
عدا مراحل التحقيق التي قد يتخللها الأذى الجسدي.. وبعضاً من جرعات الهلع والقلق وأسابيع دون استحمام يفقد المرء فيها بعضا من كرامته وإنسانيته.. تنتهي الأحداث كلها بعبور بوابة السجن وهنا تبدأ الرتابة القاتلة ودوامة الأحداث المتشابهة حد�’ التطابق.. في السجن؛ هناك 6 ورش صغيرة؛ لا يسمح للجميع باستعمالها كونها قاصرة عن استيعاب أعداد المساجين المهولة.. وهناك خيار متاح للبعض بالعمل في الزراعة نظير مبلغ لا يتجاوز الـ9 دنانير في الشهر!! 

لا شيء في السجن إلا الفراغ والساعات المتداخلة كحبات المطر.. مع جهازي تلفاز لأكثر من 600 سجين.. أحدهما احتكره الآسيويون على قلتهم؛ والآخر للبحرينيين.. 

لا برامج إرشادية ولا دينية إلا مرة مع اكتمال القمر.. الأطعمة هي ذاتها ولا يسمح للسجناء بالطهو كما في الكويت؛ ولا يسمح لهم أن يأخذوا من ذويهم طعاماً كما في الإمارات ولا يسمح لهم بخلوة شرعية كما في السعودية، باختصار، هو موت بطيء وبيئة توطن الأمراض النفسية الموجودة ابتداءً في نفوس هؤلاء؛ وهو ما يقودنا للمحور الثاني. 

2- الإدمان في السجن
رغم عدم وجود طبيب نفسي في السجن، إلا أن طابور العيادة النفسية يمتد بطول النظر.. لا طلباً للنصح أو التنفيس لمختص؛ بل لصرف المهدئات والمسكنات!!

الفاليوم.. الأراتيتن والتربتيزل والعقاقير كافة التي لا يحصل عليها المرء إلا بشق الأنفس خارج السجن؛ متوافرة وسائغة للجميع داخل جنباته بفضل الممرضين الأجانب الذين يصرفون تلك العقاقير كيفما اتفق.. كثيرون دخلوا السجن في قضايا مالية أو أخلاقية ولكنهم خرجوا منه مدمنين ويطال ذلك بشكل خاص الناشئة وصغار السن.. وهو ما أسس لنشوء تجارة رائجة للعقاقير داخل السجن؛ تُقايض حبة الفاليوم بكم من السجائر؛ يصل في المناسبات لـ3 علب. 

وعليه فمظهر السجين المخدر طوال اليوم أو فاقد الوعي لزيادة الجرعة؛ باتت مشاهد مألوفة للمساجين الذين سرعان ما ينجرفون مع الموجة التي لا تستثني حتى بعض المعتقلين السياسيين.. فظلمة السجن وفجعته تسهل انزلاقهم؛ خصوصاً وأن المنزلق.. ميسر بمعية السجان.
يتبع..