:للوطن

هناك شعوب تعج بمجموعات خلاقة قادرةً على تحويل التراب إلى ذهب.. ونحن لسنا منهم بالتأكيد!!
لسنا شعوباً مبدعة كما نظن أننا نكون.. إننا شعوب تعلمنا أن نفكر في صندوق ونتحرك ضمن أدوار رُسمت لنا سلفاً؛ وكيف لا و”المرء في أوطاننا معتقل في جلده منذ الصغر” كما يقول الشاعر أحمد مطر.. لقد تعلمنا أن نعيش مستظلين بفيء دولنا الريعية وسنبقى كذلك حتى يحدث الله أمرا. لذا فإن الصناعات والمبادرات يجب أن تنطلق من الدولة، أو بمباركة ودعم الدولة.. أو على الأقل أن تنطلق وهي تملك صكاً مفتوحاً من الدولة أنها ستنتشلها إن هي ما تعثرت..

مثالان سنسوقهما هنا لتبيان ما نقول:
كلكم يعرف المشروم الذي تباع حفنة صغيرة منه بـ 700 فلس. ولكن ما يعرفه أغلبكم أن المشروم الذي يغرق السوق اليوم هو مشروم عماني.. إذ تلفتت عمان فوجدت أن لا طاقة لها على منافسة المزروعات الشامية ولا الحبوب الآسيوية ففتحت ”مزارع الشمس” المتاخمة لصحار للمستثمرين الصغار ودرست لهم السوق العالمية وأشارت عليهم بزراعة المشروم لما وجدت أنه المشروع المثالي من حيث جدواه الاقتصادية..
تخوف المستثمرون؛ بيد أن الحكومة ربتت على أيديهم وطمأنتهم أنها ستتلقفهم ما أن يقعوا في بئر الخسارة..
وبفضل هذه المبادرة تملك السلطنة اليوم اكبر مزرعة للفطر في الشرق الأوسط؛ وتصدر منتوجاتها حتى للسوق الأوروبية.. وباتت لعمان خبرة في تصميم مزارع الفطر جعلتها قبلةً لباقي الدول في هذا المضمار..
في الإمارات تبنت الدولة مبادرة شبيهة في مجال آخر.. إذ عز�’ عليهم أن تموت تجارة اللؤلؤ بعد أن كانت هي محور النمو والتجارة في الخمسينات.. فأطلقت مشروع ”لآلئ دبي” وزودته بمزرعة لؤلؤ مع بورصة للاتجار به وأكاديمية لتدريب المواهب الإماراتية على المهنة؛ مع متحف يعرض أساطير وحكايات اللؤلؤ.. فوجد المستثمرون أنفسهم مدفوعين دفعاً لإنعاش هذه التجارة من جديد..
في المقابل فإننا في البحرين لا نفتح لصغار مستثمرينا أبواباً جديدة ولا نحاول تشجيعهم على إحياء ما أُقبر من مهن، ولا يجد المستثمر هنا من ينتشله إن مرً بمنعطف وعر!!
والنتيجة أن لا صناعات جديدة تولد؛ وما يندثر من مهن وصناعات.. يندثر للأبد..
يكفيكم أن تعلموا أن بلد المليون نخلة – لليوم – بلا مصنع واحد للتمور.. واقعاً – ووفق دراسة لحلمي علي من مركز البحوث الزراعية – فإن البحرين هي أشح دول الخليج اليوم في التمور رغم أنها تقع بين خطي عرض وطول يجود فيهما الإنتاج!! 
وما لا يعرفه كثير منكم أن 58% من تمورنا غير صالحة أساساً للتسويق نتيجة سوء الخدمة الحقلية وتكاثر الأصناف والفحول الرديئة..!!
نقول ما نقول لا لنندب حظنا.. بل لنستحث المعنيين على إطلاق مبادرات تحيي ميت الصناعات وتستثمر الطاقات المعطلة لأبناء هذا الوطن.. فالسيولة المادية موجودة والطاقات أيضاً؛ كل ما ينقصنا هو مبادرة تنطلق لخدمة العامة؛ لا لتنفيع الصفوة كما هي العادة.