:للوطن
رغم ما تلقيته من التحذيرات و” نصائح” على مدار الأسبوع الماضي، ذكرتني بما تعرضت له بعيد مقالي ” للأذكياء فقط”، إلا أني ملزمة – أمام الله والتاريخ والوطن، بتسجيل موقف أيا كانت التعبات: سواءً أجاءت من السلطة التي تريدنا أن نصادق ” عمياني” على كل ما تقول وتفعل.. أو من معارضتنا الديكتاتورية، التي تخون الناس بالجملة، وتقمع مخالفيها وتغتال مصداقيتهم، ولا توفر في خطبها وبياناتها اليومية كلمة في قواميس القدح والهجاء إلا وقذفت بها منتقديها منتهجة بذلك – ذات- الأساليب التي تنتقد السلطة بسببها..ولسان حال المتنازعين كن�’ معي أو ضدي.. أو كن ممقوتاً محارباً من كلينا !!
غرة رجب.. حمل أحمد طفله المصاب بالربو – وهو في حالة اختناق شديدة- متوجهاً به للمشفى الذي صار يعوده يوميا بسبب الأدخنة والأبخرة السامة التي تنبعث من الإطارات وحاويات القمامة المشتعلة، لم يكن الطريق سالكاً ،وكانت أغلب المنافذ مغلقةً بسبب المواجهات الأمنية، وفي لحظة انفعال قرر صاحبنا أن يُكالم هؤلاء الصبية وينهاهم عن ما يفعلون. فلم يكن منهم – بطبيعة الحال- إلا أن شتموه وصرخوا فيه أمام ابنه وزوجته مهددين بحرق سيارته وبيته بل وحرقه شخصيا. تلك الليلة؛ نامت زوجته مرتعدة الفرائص. ولم ينم هو من وقع المهانة والحسرة على قريته التي صارت محكومة بأذرع هؤلاء، في اليوم التالي قصد وجهاء القرية شاكياً متبرما فشكوا له بدورهم الحيرة وقلة الحيلة..!
في الفجر، استيقظت العائلة على صوت تهشيم زجاج سيارة أحمد وشق إطاراته، وتعالت النيران من كيس سماد ضخم أضرموه قرب بيته، انكفأ أحمد على نفسه بعدها وبث شكواه لربه..فإن كانت تلك عاقبة الشكوى عند شيوخ القرية، فماذا سيصيبه إذن إن لجأ للشرطة ؟!!
******
كم مواطن يا ترى يشبهون أحمد يعيشون حاله ويهابون مصيره، كم مواطن يتأذى – يوميا- جر�’اء هذه الأفعال وما تستدرجه من مواجهات ، كم امرأة تنام في فزع، وكم طفل بات يعيش كوابيسه في يقظته.. وكم عائلة تتضرر يوميا من قطع الطرقات وتعطيل الإشارات وعتمة الأحياء وتحويل المسارات وضرب مولدات الكهرباء؟
لو كان أي�’ منكم وزيرا للداخلية.. لو كان مشيمع شفاه الله – نفسه- وزيرا للداخلية .. أو قيض لعبد الوهاب حسين أو للمقداد أو الدكتور السنكيس أمر ضبط الأمن.. فكيف سيتصرفون ؟
خياران هم لا أرى لهما ثالث :
فأما أن يعتبروا ما يجري كما يرددون يوميا في بياناتهم وخطبهم تعبيرا ” سلمياً” وحقا ” مشروعا” فيتركوا الحبل على الغارب “لأبطال الدخان” ليحرقوا ويتسلطوا على العباد والممتلكات.. وفي نهاية الأمر وبدأه؛ هم يشعلون المواجهات في قراهم وشوارعهم ، لا في الرفاع ولا عسكر.. ولو اختارت الشرطة أن تجعل حضورها صوريا، كما يحدث في الأفلام الهندية حيث يأتي العسكر بعد أن ينفض السامر، فلن يلومهم أحد، ففي كثير من الدول تتباطأ قوات الأمن عن التدخل في مناطق الصراعات الخطرة من منطلق ” فخار ويكسر بعضه” ولتجنيب عناصرها الخطر مقابل لا شيء.. في أمريكا ذاتها بث تقرير يقول أن الشرطة تستغرق للحضور لساحة التقاذف في بروكلين والأحياء الفقيرة حيث تنتشر العصابات، أضعاف ما تستغرقه لتجيب بلاغا في الأحياء الراقية.. للسبب الذي أسلفنا.
بالطبع الخيار الثاني هو ضبط الأمن بأي ثمن في أي مكان..وهو الأسلوب الذي تتبعه الداخلية اليوم.. تعتبر هؤلاء القلة مخربين وأهل المنطقة ضحايا ” وهم بالفعل كذلك” وتجتهد لكبح جماحهم، ولو ترك هؤلاء على هواهم لحولوا مناطقهم لخرائب في ظرف أسابيع معدودة ..
فأي الطريقين تختارون..؟ سؤال بسيط لا يحتاج لإجابات متفذلكة.. هل تسمحون بهذا “التعبير السلمي” وتتركون الأمور على عواهنها وتعرضون أرواحاً وممتلكات للخطر وليتضرر من يتضرر وليطفش من حياته من يطفش أم ستتصدون بحزم لمزعزعي السلم والأمن ؟!
رجاءً، لا تناقشوننا هنا نقاش الضفادع ، فتقفزوا لنا من الحديث عن المواجهات الأمنية للحديث عن ” الدستور والأوضاع المعيشية والتمييز وسوء توزيع الثروة والتجنيس” وكل الملفات العالقة التي نعرفها عن ظهر قلب ونحترق بها أكثر من المدللين في مدن الضباب.. فتلك القضايا والملفات هي قضايا سياسية ووطنية ، ساحتها العمل السياسي وسلاحها الضغوط والتحالفات والمفاوضات، أما وقد نقلتم الأمر للساحة الأمنية ، فعليكم أن تعترفوا بأنكم شركاء في ما يجري اليوم من تنكيل بالشباب والقرى، تشويش على القضايا الرئيسية ” وهو الأخطر”. ففي مواجهات أمنية كهذه، لا كاسب إلا القوة ومستثمرو الفتن ولا خاسر إلا المواطن المغبون الذي لم يفوضكم لتعيشوه في غابة وتصيروا عليه فرعونا وهو من توسم بكم العون ..!!
أنتم من أدخل وزارة الداخلية وجلاوزتها على الخط..ولم تكن لتتدخل لو ابتعدتم عن تهديد الأمن وترويع الآمنين بما سيعود بالضرر على المعارضة الوطنية المتزنة وعلى الملفات السياسية التي لن تخدمها التصرفات الغوغائية..
نعرف أن المُدلسين محترفي دوري التلاعب في وعي العامة، سيقفزون الآن واصمين ما قيل بأنه دفاع عن الداخلية والحق أن ما قيل قراءة لمشهد لن يزداد إلا تعقيدا في ظل ضيق الرؤية والتمترس حول الرأي الواحد.. لا ينفي ذلك بالطبع بالتأكيد على ما تقوم به وزارة الداخلية من تجاوزات وانتهاكات على صعيد حقوق الإنسان.. ولو كنتُ – شخصيا- وزير الداخلية لكنت أحكمت القبضة على من يرتكبون مخالفات همجية كهذه وحاسبتهم علنيا . ففي وجود قوانين عقوبات – مفصلة على المقاس- تخدم حق الداخلية في حفظ الأمن ليس هناك داعً لممارسات كهذه سيخلدها الزمن.. للداخلية أن تضبط الأمن ، وواجبها أن تضبط الأمن – إنما- برشد واتزان وبطرق شرعية وقانونية لا يزدريها المجتمع الدولي ولا تساهم في زيادة الغليان في الداخل !!
حفظ الله البحرين وأهلها من صراعات مِن مَن قصر النظر وطول اليد.