:للوطن
لن نتحدث اليوم عن مخرجات الانتخابات فالصورة لن تتبلور إلا بحسم المقاعد الست الباقية.. بل سنتحدث عن فرضية خطيرة؛ مؤرقةٌ وشاخصة؛ رصدناها جميعا في الانتخابات وإن صح�’ت..فنحن في محنة ذمة حقيقي يضاف لمآزقنا الممتدة في البحرين..!
قبل أسابيع استوقفني فخامة كتيب براق لمرشح جمعية إسلامية لا تتحمل – حتى البنوك والشركات الاستثمارية – تكاليف مثله فطفقت أسأل صديقاً يمتهن العمل بالمطابع عن كلفه طباعه ألفي كتيب – على الأقل- كهذا فقلبه يمينا ويساراً وقال : أثنى عشر ألف دينار على الأقل بمتوسط 6 دينار للنسخة الواحدة..
تساءلت يومها: من أين أتي صاحبنا ” وهو من أهل الله الأتقياء” بمبالغ كهذه ..؟! ثم انهمرت الأسئلة وسط غيوم الشك التي تكثفت بسبب بذخ الحملات الانتخابية: ومن أين جاءت الجمعيات ، التي تمول المرشحين ، بأجرة الخيام التي تكلف – يوميا- ما يتراوح بين 500-1500 دينار، وبكلفة المشروبات وولائم العشاء اليومية.. وأجر المساعدين من تقنيين ومروجين وبكلفة الدعاية في الطرقات والمطبوعات والملصقات التي كلفت – وحدها- وفق تقدير خميس المقلة رئيس جمعية المعلنين، مالا يقل عن 2 مليون دينار ناهيك – طبعاً- عن الرشاوي التي أغدق بها الناخبون ، جهاراً نهاراً، على هيئة مساعدات سيما في الدوائر الشرسة.. 
هل وجد هؤلاء مغارة علي بابا ..؟ أم اكتشفوا بئر نفط في حديقة مبنى الجمعية ولم يبلغوا عنه ؟!
   تلقائيا يستحضر الذهن أمام أسئلة كهذه صورة اليافعين الذين ينتظروننا عند أبواب المساجد لجمع أموال التبرعات للأعمال الخيرية فلا تقاوم ، وأنت في أعلى درجات الروحانية بعيد الصلاة، الرغبة في تطهير محفظتك من ” وسخ الدنيا ” ووضع بعضه في صناديق التبرعات.. وكثيراً ما تدفعك الفرحة التي ترتسم على وجوه هؤلاء الصبية الطيبين لمضاعفة ما وضعت -عن طيب خاطر- طمعاً في مضاعفة أجرك وثقةً بأن الأموال ستذهب لمحرومين هم أكثر حاجة لها منك.. والحقيقة الشاخصة هي أننا نجهل أين تذهب هذه الأموال.. وعلى أي أساس ومعيار تصرف.. سيما بعد أن وجدنا الجمعيات خصت ” بتبرعاتها” ناخبين في مناطق معينة وفي توقيت الأنتخابات بالذات ..!! 
******
قبل حوالي أربع سنوات.. صُعق ورثة رجل دين معروف في قرية فقيرة لما اكتشفوا أن الرصيد البنكي لوالدهم ” الزاهد العابد” يناهز الـ5 مليون دينار، وعبثاً حاول المقربون يومها إقناع الورثة أن تلك الأموال – غالباً- أموال صدقات وعليهم توزيعها لئلا يُعصر أبيهم في القبر ولكنهم فضلوا عذابه على التخلي عن أموال ستنقلهم من العسر للبسطة !! وحدث في دولة عربية أن أكتشف أن سيدة داعية ، تعيش حياة يلفها الحرمان ، تملك 25 مليون جنية تخبئهم في أكياس نايلون والأمثلة على هذه الشاكلة كثيرة.. وكلكم يذكر كيف ثارت في العام 2008 ضجة عندما أعلنت مجلة فوربس ملايين الدعاة العرب، وما خفي من ثروات رجال الدين.. كان أعظم ..!!
لا نفتري على أحد ولكن،، 
فليجبنا أحد من أي جاءت كل هذه الأموال سيما وأن تكلفة الحملات الانتخابية – وفقاً لكل الملاحق الاقتصادية- تتراوح في حدها الأدنى بين 25-100 ألف للمرشح الواحد.. ما هي مصادر الجمعيات سوى الإشتراكات الزهيدة وأموال الزكاة والخمس والصدقات ؟ وإن كانت تلك الأموال هي أموال التبرعات الخيرية كما تشير الطلائع فقولوا لنا من خولكم بتشغيلها وصرفها على الحملات الانتخابية ؟  هل أفتى لكم أحد بأن هذا هو وجه من وجوه أعمال الخير فصدقتموه !! أن المتبرعين وأهل الخير عندما يجودون فإنما يريدون لهذه الأموال أن تذهب للمحتاجين والأيتام والمرضى وللتعليم ولترميم المنازل لا لخدمة اهداف سياسية واصطفافات فئوية.. 
حسنا.. لا نريد أن نفتري على أحد.. قولوا لنا من أين لكم هذا ؟!
بعض الجمعيات وزعت رشاوى ” لأن الرشوة أيام الانتخابات – استثنائيا- حلال” على هيئة مساعدات توجهت “للناخبين” في المناطق الصعبة وتناست سواهم في المناطق المضمونة أو البعيدة عن الصراع الانتخابي.. كما وصرفت مكافآت عدة وفقاً لما سمعنا من أموال خيرية.. 
فمن سمح لكم بمكافأة معاونيكم من جيوب الفقراء !!  
الفرضية الأخرى أن تلك الجمعيات والجهات تلقت مساعدات من جهات ” أخرى” وهذا بحد ذاته هتك للمادة 25 من قانون مجلسي الشورى والنواب  الذي يحظر على المرشح ” تلقي أية أموال للدعاية الانتخابية من أية جهة كانت ” فما هي الحقيقة ؟ من أين مولتم حملات أناس متواضعي الثروة مداخليهم ورواتبهم معروفة..!!
نتمنى أن نكون مخطئين.. وسنكون أكثر من ممتنين لو خرجت علينا الجمعيات التي نستأمنها على الأموال والتبرعات بتصريح أو بيان يوضح بشفافية مصادر تمويل الحملات والرشا الانتخابية..   
في كافة الدول العربية هناك مطالبات بإقرار قانون ” من أين لك هذا” لضبط شطط متنفذي السلطة وكبح تسلطهم على المال العام وربما حان الوقت لنطالب بمثله لرجال الدين المؤتمنين على أموال غير محصورة وغير معلومة الحجم وهم في نهاية المطاف بشر لا يسلمون من نزعة التملك البشرية وإلحاحها..  
والله – وحده- من وراء القصد ،،