للقلب والروح :
في مدينة قابس جنوبي تونس احتفل الجامعي الثلاثيني بعيد الحب بإضرام النار في حبيبته؛ وقبل أن يشهد لفظها للأنفاس الأخيرة أضرم النار في نفسه هو أيضاً إثر شجار شب بينهما. وفي إمبابة؛ المنطقة الشعبية المصرية؛ أنبت الزوجة زوجها العاطل على وضعهما المزري حتى تنامى الغضب في جوفه فرفع لها ”الشاكوش” وعاجلها بضربة على الرأس ثم انهار في البكاء على جثتها المخضبة بالدماء..!!
وليس الضحايا في عيد العشاق كلهم بنساء.. ففي مراكش المغربية تذمر الزوج على ما طهته زوجته، فما كان منها إلا أن دخلت المطبخ واستلت من درجه سكينا، وانقضت عليه بطعنات متلاحقة في الصدر والظهر، ولم تتوقف، حتى بعدما تأكدت أنها أردته قتيلاً!! ولم يكن مصير الزوج الإسكندراني الذي دخل على زوجته في عيد الحب فوجدها تتابع بشغف فيلما شاعريا؛ بأفضل من سميه المغربي.. إذ لم يدر بخلده أنه بتغييره للقناة من دون استئذانها لمتابعة مباراة؛ ووكزه لها مطالباً إياها بقدح شاي، أنها ستثور وتستغل ضخامة بنيتها في حمله وقذفه من النافذة!! بالطبع ولكونهما يسكنان الطابق الثالث، فما كان للزوج ولا لجسده النحيل فرصة في الحياة بعد هذه الرمية!!
تلك الجرائم التي قد نتخذها مادةً للتندر والسخرية، ليست وليدة ثورة غضب كما يخال البعض.. بل هي عادةً نتاج تراكمات موغلةً في النفس، لا يدركها الناظر للسطح.. نسوقها كأمثلة -متطرفة ربما- لنقول إن العاطفة؛ وإن كانت تبدو جزءاً من الذات؛ إلا أنها في الواقع مستقلة عنه تماماً.. هي كائن حي بهوية خاصة تتشكل بعيداً عن إرادة الشخص وهيمنته.. قد تنسجم أو تتنافر مع الإطار العام لشخصية صاحبها..
والعاطفة – ككائن مستقل الهوية- تستوحش وتستأنس وتموت وتحيا، بل وتطلق ساقيها في دنيا الله الواسعة هرباً من كل ما يخنقها ويعذبها.. ولكن الفرار ليس دائما بخيار مطروح، لأنه رهن عادةً بما يؤثث المشهد من أغلال ومحاذير وحسابات.. لذا فإن العاطفة – بوصفها كائناً حياً- قد تختنق في صدر صاحبها وتموت وتتحجر.. وما من مأساة في الحياة أكبر من أن تموت العاطفة ويبقى الإنسان حياً ومع الشخص الذي قتل فيه عاطفته.. حينها يعيش المرء مع شريكه وكأن بينهما ثأراً مبيتاً.. يصفيه بوعي أو بلاوعي، في المعاملات اليومية والمناسبات وكلما تأتى له ذلك.. بجرح غريمه بالإهمال أو الخيانة أو التحقير والتقزيم واللامبالاة.. أو حتى بالقتل، كما في الحالات المتطرفة التي سقناها، والتي تنقل رياح الأنباء ما هو أشنع منها بين حين وآخر!!
وتماماً كما تموت العاطفة بين اثنين فيغدو العيش بينهما جريمة؛ فإن العاطفة يمكن أن تُزرع وتثمر وتينع بل وتُعالج -إن سبقت مداواتها موتها- إذا ما حظيت بوارف من العناية.. فكفن الحب هو الخرس العاطفي وإهمال تعاسة الآخر ومشاعره.. ووقود الحب هو مراعاة التفاصيل الصغيرة، والالتفات للفسيفساء التي تشكلها..
قد يجبر الزواج، نقول، أو وجود الأطفال أو الاعتماد المادي أو الاجتماعي كثيرا من الشركاء على الاستمرار في علاقات ميتة لا تصدر بحقها شهادة وفاة.. ولكنها بلا شك.. جريمة بحق النفس والحياة..
________
رحيق الكلام:
وحده الساذج هو من يعتقد أن إبقاء جذوة العاطفة مهمة.. سهلة