للقلب والروح :

INTELLIGENT ..CLEVER ..SHARP

ثلاث كلمات إنجليزية درجنا على استخدامها لوصف الذكي الألمعي مفترضين أنها تؤدي نفس المعنى رغم ما بينهم من بون واختلاف.. فإن نحن عدنا لمعجم أكسفورد اللغوي سنجد أن كلمة «SHARP» تستخدم لوصف الحذق الذكي.. حاد الذهن، ولكنه في الوقت عينه متحلل من أيه التزامات أخلاقية؛ وعليه فقد يكذب.. يتزلف.. يخون.. أو يطعن من الظهر حسب ما يقتضيه الموقف والمصلحة!

أما من ينعت بأنه «CLEVER»، فهو الفطن الموهوب الذي يملك مهارات عدة بيد أن أخلاقياته غير مؤطرة ولا واضحة؛ وبالتالي فقد يعزل الأخلاقيات ويهمشها في مواقف عدة -إن اقتضت المصلحة ذلك.. أما «INTELLIGENT»، فهو الألمعي متقد الذهن، الموهوب المتصف بالكياسة.. الذي يتحلى بالاستقامة والخلق القويم.. ويلتزم بالشرف والأمانة ولو على نفسه.. ذلك المرء الذي بلور تعاقداً واضحاً مع نفسه فإن وقفت أخلاقياته دون مصلحته انتصر لأخلاقياته ومثُله، ولو كلفه ذلك ما كلفه..

فإلى أي معسكر تنتمي يا ترى؟!

للأذكياء الذين يغرفون من الدنيا ما يستطيعون ولو على حساب الغير والضمير؟ أم للأذكياء البرغماتيين الذين يفصلون أخلاقهم حسب الموقف ومقتضياته؟ أم للأذكياء المطوقين بسياج الخلق والشرف الذي ما جاءت كل الأديان السماوية إلا لتربي الناس على التشبث به؟!

قد يقول قائل: لقد انهار في هذا العصر كل ما هو جميل وأصيل وتشوه وجه العالم الأخلاقي.. واستبد الزيف والتزلف والمكر واللؤم والكيد.. فهل من الحكمة أن تكون نعجةً بين الذئاب؟! هل من العقل أن تتمسك بحبل الاستقامة وإن خنقك وجرك للوراء؟! هل من العدالة أن تتلقى الطعنات وتقع في الفخاخ التي تنصب لك وتتحمل ما يحاك لك بليل ولا ترد الصاع.. ولو بصاع مثله؟!

في القرن الثامن عشر، عندما ظهر مذهب المنفعة الذي تبناه الفيلسوف جرمي بنتام وجون ستيوارت رافعين شعار أن «اللذة هي الخير الوحيد، والألم هو الشر الأوحد» في دلالة على أن ما يحدد الخير والشر والأخلاق هما مقدار منفعتهما للفرد، انبرت المجتمعات الأوروبية كنائسية الفكر لتسقيط هذا المذهب.. فلما مرت الأيام صار هذا المذهب هو فقه العالم الحديث.

اليوم، هناك صوت لجوج -حتى في نفوس الشرفاء- يتسلل ليقول: دع الأخلاق في معزلها.. والضمير في مخدعه؛ فكل ما في الحب والحرب مجاز.. والحياة اليوم حرب ضروس لا تهدأ.. ووحدهم الحذقون المتزلفون من يكسبون الجولة تلو الأخرى.

ولكن الحق، والحق أقول، إن الدنيا قد تصفو لهؤلاء الحذقين طويلاً.. ولكنها تعود وتلفظهم كالنوى ليتساقطوا الواحد تلو الآخر كأوراق الخريف.. ربما يكسبون جولات وينالون صولات، ولكنهم يبقون في السافلين.. قد يظفرون بالمال والمناصب والجاه، ولكنهم يفقدون أغلى ما لدى البشر.. الثروة الحقيقة التي لا تنضب.. الإرث الذي لا ينفد.. الأثر الطيب والذكر الحسن واحترام الناس، والأهم من هذا وذاك احترام الذات.

فهذه الحياة قد تعطي رخو الضمير، المتذاكي الذي لا يُقيم للمُثل والقيم وزناً، أياماً وسنين.. ولكن العاقبة لا تكون إلا لذوي الخلق والاستقامة والمبدأ..

________
رحيق الكلام: 
«ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين»
(آل عمران 139)