للقلب والروح:
منذ نحو العامين عكف الباحثون في لندن كوليدج على دراسة أكدوا من خلالها أن الحب – علمياً – أعمى.. إذ أثبتت دراساتهم أن الوقوع فيه يؤثر في دوائر رئيسية في المخ؛ ويغير كيمياء المخ.. بل وتوصل الباحثون الى أن الدوائر العصبية التي ترتبط بالتقييم الاجتماعي للأشخاص الذين نتعرف عليهم، تتعطل عن العمل عندما يقع الإنسان في الحب، وهو ما يفسر سبب السعادة التي تهبط على من يحب وكيف أن وطأ الأحداث اليومية يغدو لمن يحب أقل حدة.. وهو ما يفسر أيضاً تغاضي بعض الأشخاص عن أخطاء وعيوب من يحبون!!
يقول أندرو بويد في كتابه ”الأسى اليومي”:
أنت تبحث دائماً عن الإنسان غير الملائم.. ولكنك لا تبحث عن إنسان غير ملائم فحسب؛ بل عن ” أكثر” الأشخاص غير ملائمة لك: عن شخص ترنو إليه بهيام قائلاً بينك وبين نفسك ”هذه هي المشكلة التي أريد أن أورط نفسي فيها”..
فبويد يعتقد – ومثله الروائية الشهيرة دانيال ستيل – أننا في الحب نبحث عن شركاء ذوي عيوب نتمم من خلالها عيوبنا بطريقة أو بأخرى.. لذا فإننا نحتاج لسنوات طويلة لتكتمل فينا عيوبنا الشخصية؛ تلك العيوب التي تجعلنا ما نحن عليه بالفعل؛ عندها؛ وعندها فقط نكون مستعدين لإيجاد الشخص الملائم.. فالحب الحقيقي لا يستوي إلا مع النضج كما يرى الكثيرون ومحدثتكم إحداهم..
ولكن..
كيف للمرء أن يقاوم ثورة العواطف التي تعصف بعقله وتزلزل كيانه؟! كيف له.. أن يقاوم تمرد العاطفة على القوانين والموازين والفروقات؟! وكيف للمرء أن يعمل عقله وعقله معطل كيميائياً بفعل دفق مشاعر نافرة تجرفه دونما إرادة منه ولا قوة؟!
أسئلة باغتتني وأنا أقرأ رسالتين ساقتهما الصدفة في يوم واحد.. أحداهما لطبيب من أسرة محافظة هوى بنت هوى عندما زارته لمعالجتها فالتفت حوله حبالها وما عاد بقادر على تركها أو الارتباط بها.. وثانيهما لقارئة قالت في رسالتها المصاغة بعناية: ألوذ بحكمتك ونفاذ بصيرتك فشوري عليَ: كيف يهرب المرء من علاقة يريدها من كل قلبه ويرفضها بكل عقله – في إشارة لتعلقها بحب شخص متزوج ومزواج – وكيف يولي وجهه عن شخص لا يستطيع أن يحيا معه ولا يستطيع أن يحيا بدونه..؟!
كثيرون يسألون السؤال ذاته.. والجواب موجود في الدراسة التي استهللنا العمود بها؛ فتأثير المس الكيميائي يزول – وفقاً للدراسة ذاتها – مع مرور الوقت فتنكشف الغشاوة ويكتشف كل طرف حقيقة الآخر ويكون هذا إما إيذانا بانتهاء الحب – إن كان حباً غير متكافئ ولا صالح – أو باستمراره؛ إن وجدت له الأرضية المشتركة التي تؤهله للاستمرار والنماء..
وإن كنا سنبسط النصيحة لمن يمرون بحالات الحب غير العقلاني هذه فلن نقول لهم كالمنظرين غلبوا العقل.. بل نقول اتركوا الحب المجنون يأخذ دورته بلا تفريط؛ كالإنفلونزا تماماً؛ فلا جدوى ترتجى من محاربته وهو في أوج عنفوانه.. وثقوا بأن عرى الحب الأهوج القائم على ثورة الهرمونات ولخبطة كيمياء المخ تنفصل.. أطال الزمن على ذلك أم قصر.