للقلب والروح:
 يدخل القرن الحادي عشر على البشرية إلا وقد أكملت خريطة العالم الجغرافية بعد 6 قرون من المحاولات المضنية.. توجه بعدها الإنسان للفضاء؛ وما انتصف القرن الثامن عشر على الجنس البشري إلا وقد غزا سماءه وفكَ أسرارها.. في السنوات الأخيرة فكَك البشر الخريطة الجينية؛ واكتشفوا ما مكَنهم من الاستنساخ والتلاعب بالجينات والصفات الوراثية..
تمكَن هذا الإنسان – على وهنه – من ترويض الطبيعة والإلمام بكل شبر في مغار الغابات وأعماق المحيطات.. فكل خرائط العالم وعناوينها موجودة الآن بكبسة زر على ”جوجل إيرث” بل وفي إجهزة “GPS” التي لا تخلو منها مركبة حديثة.. كل خرائط العالم اكتملت؛ إلا خريطة واحدة لاتزال لغزاً يحار فيه الجنس البشري بأكمله.. إنها خريطة النفس البشرية، المتشظية بين الملائكة والشياطين والتي لازالت عصيَة على الفهم رغم كل ما بذل لتفكيكها..!!

قبل عقدين من الزمان راجت اختبارات نفسية كانت تنشر تحت عنوان ”اعرف نفسك” ولم تخلُ منها مجلة منذ ذاك الحين.. فجُلنا يدعي الرغبة في معرفة نفسه وفهم ما يتحكم في أمزجتنا علواً وهبوطاً.. إنما قلة، وقلة فقط، هم من يقفون ليحملقوا في مرآة الذات ويتحمَلوا ما يرونه فيها من نور ونار!!

صحراء المشاعر هي أكثر ما يهيم الإنسان فيه ضائعاً بلا علامات هادية ولا إجابات وافية لأسئلة صغيرة وعملاقة.. لمَ نحب، ولمَ نكره، ولمَ نثور ولم.. لا نثور..!! لم يبكينا مشهد سينمائي عابر ولا يبكينا جرح قريب!! لمَ لا نسامح؛ ولمَ نتسامح.. هناك مواقف عدة يفاجئ المرء فيها نفسه برد فعله.. فيكتشف في نفسه شراً وقسوةً لم يكن قد رآهما في نفسه من قبل؛ أو طوفان عطف لم يكن يعلم أنه يحبسه بين أضلعه..!!

قد يسائل نفسه عن ذلك وقد لا يسائلها.. فالإنسان، ذلك الجبار العنيد الذي ما فتئ يقتحم ميادين المعرفة ويدكُ حصون أسرار الكون، لازال يهرب من معرفة نفسه.. يُؤثر خوض مئات الحروب مع الغير على مواجهة نفسه وتناقضاتها وحل عوالقها.. ولا عجب أن الحقل الوحيد الذي تصدى لفهم النفس البشرية، حقل الفلسفة الذي قام عبر تاريخه منذ سقراط وأرسطو على أمل معرفة الذات، قد عج بمن فقدوا عقولهم وقادتهم رحلتهم تلك للانتحار أو هوَة الجنون.. فقد وضع الله سر الأسرار في هذه النفس التي لا تشبه في بساطة تعقيدها شيئاً آخر..!!

قديماً قيل ”أن تعرف نفسك، فقد قطعت نصف الطريق” قد يبدو هذا القول مكرراً حتى الخواء ولكنها الحقيقة: اكبر تحدٍ يواجهه المرء في حياته هو أن يكتشف خريطة نفسه.. لـ ”مهاتما غاندي” مقوله مشهورة يقول فيها ”لقد قضيت 45 سنة من عمري لأفهم وأعلم شخصاً واحدًا” مشيراً بذلك إلى نفسه.. ففك خريطة النفس هو تحدى البشر الأكبر وقمر التجلي في عتمة الحياة الذي تنكمش دونه كل الأهداف الأخرى..

رحيق الكلام:
إن أردت أن تنتشي بالكون وينتشي بحضورك؛ قف.. واجه دواخلك.. فقد تكتشف أن كل ما أضعته في حياتك .. كانت مفاتيحه بداخلك..