Skip to content
للقلب والروح:في الروايات الخالدة والقصص المجنحة؛ يصور الحب على أنه نعمة تعطر الحياة؛ تعكره بعض العثرات والتحديات في البداية؛ ولكنه ينتصر مودعاً في أكف أبطاله مفاتيح السعادة الأبدية.
قد يصح ذلك ولكن أحياناً – وأحياناً عدة – يكون الحب أقسى محنة تهب على حياة المرء فتقصفها وتهزها من الجذور. فالحب في الوقت الخطأ / للشخص الخطأ؛ امتحانٌ لا أقسى ولا أصعب.. فالحب غير المتكافئ؛ الحب بعد الارتباط بشريك / حب شخص مرتبط أصلا؛ أو التعلق بمن لا ترضى عنه الملة ولا المجتمع؛ كلها أنواع مؤذية من الحب على المرء أن يتضرع لئلا يمر بها يوماً.. أسوأ نوعيات هذا الحب المدمر هو الحب الحقيقي في الوقت الخطأ .. كحب الكهل لفتاة في صباها. ذلك الحب الذي يراه البعض نزوةً أو خرفاً رغم أنه قد يكون حباً حقيقياً. وحقيقيا جداً.. لولا أنه تأخر عن وقته وأوانه..
نوعٌ كلاسيكي من الحب هو الذي عرفه العالم منذ فجره.. فتاةٌ تبحث عن الحنان والحكمة والأمان في شخص مكتمل التجربة والنضوج.. وكهل يترامى على علاقة فتية تعيد له الأمل في حياة بدأت تتسلل من أصابعه كماء النهر.. «غوته» شاعر ألمانيا عرف هذا الحب وهو في ذروة شيخوخته. وعرفه وجيه البارودي شاعر العشاق وقد جاوز التسعين.. وعاشه العقاد في الخمسين فلم يطالب حبيبته – حتى بالوفاء له- فنظم لها ليقول:
أعفيك من حلية الوفاء
إنك أحلى من الوفاء
ولا أصدق مما قرأت في هذا من رسالة كتبها الأديب الروسي «تورجنيف» عندما بلغ الستين لفتاة في الرابعة والعشرين هامت به عشقاً وحاصرته بجمالها وذكائها.. فما كان منه إلا أن كتب لها يقول ( بتصرف) :
«ليس من حقي يا فتاتي أن أغرر بك وأنت في مطلع شبابك. لا أنكر أن جمالك يفتنني، ولكني لو أحببتك فسأرتكب أخس جريمة يمكن أن يرتكبها رجل، لأنني سأحبك لنفسي لا لك، إني أنظر إليك وأتعذب، لكن واجبي أن أفهم نفسي ولا أستسلم لإغراء شباب يستعجل شيخوختي، فافهمي أن من يناقض سنن الطبيعة يُهلك، وأن اقتران الكهولة بالشباب لم يسعد في هذه الحياة أي إنسان. فالسعادة في الحب لا تنبع من مشاركة العواطف، بل تنبع من تكافؤ في قوى الصحة والشباب. فاقبلي يا فتاتي هذا الحب الخالص النزيه، وانشدي الحياة مع من هو أهل لك، واسعدي..»
كلمات «تورجنيف» تلك فواحة بالحب.. ولكنه حب متحرر من الجنوح والاندفاع.. حب ولد مع مشيئة لكبحه ووأده في المهد. والعواطف المكلفة عليها أن تُكبح؛ قبل أن تدهس في طريقها أرواحا بريئة لا ذنب لها ولا جريرة.
إن من يفهم دهاليز المشاعر – نقول – لا يملك أن يجحد الناس عواطفهم؛ ولا أن ينكر ترقرق ماء الحب بين أعطاف المحبين ولا يحاكم تقلب القلوب التي هي بيد بارئها.. فالحب أعمى كما يقال، ولكن.. أليس للشيخ بصيرة؟!
رحيـــق الـــكـلام..
عندما تجد الحب قد جاء إليك في غير أوانه.. اهرب.. قبل أن تبلغ نزوته حد الاندفاع المستهتر بالحواجز..