اجتماعية ناقدة: تحطمت آمال 46 شاباً وفتاة في السعودية أخيراً، كانوا على وشك الزواج، بعد اكتشاف إصابة أحد الطرفين بفيروس الأيدز. كما وأدى تطبيق الكشف الإلزامي على المقبلين على الزواج منذ بداية العام الهجري لخلط أوراق زهاء الـ 2284 شاباً وفتاة بعد اكتشاف إصابة أحد الطرفين بأمراض وراثية أو بالتهابات الكبد الوبائي.
كان ذلك لب�’ ما ورده تقرير مفصل عرضته “ الحياة’’ أخيراً؛ استرعى اهتمامي لسبب وحيد.
إن السعودية، التي طبق فيها فحص الزواج حديثاً وبشق الأنفس بعد جدل شرعي، نجحت فيما لم ننجح نحن فيه من حد الزيجات غير المتناسبة رغم كوننا من طليعة الدول التي فرضت هذا الفحص.
ولم؟! هذا الفحص اتخذ عندنا صيغة الإلزام ولم يتخذها، فالشؤون الإسلامية ألزمت المأذونين بطلب شهادة الفحص ولكنها لم تمنحهم صلاحية إيقاف العقد في حال ما أظهر الفحص وجود خطب.. ولأننا مجتمع يؤمن بالقضاء والقدر بشكله السطحي اللاعقلاني.. فإن نتيجة الفحص، التي تأتي قبل العقد بأيام، غالباً مالا تثني الخطيبين عن الزواج وقد يذكر بعضكم قصة البحرينية التي اكتشفت أن عريسها مصاب بالايدز ومع ذلك أتمت الزفاف وعد�’ت نفسها بطلةً تحدت المرض العضال!!
هذه النماذج تُرى كثيراً في الأمراض الوراثية التي تعد ابُتليت بها البحرين.. فالسيكلر والجي سكسبيدي والثلاسيميا، أمراض مؤذية لا علاج لها ولا وقاية إلا عبر التحكم الوراثي بالمرض؛ عبر تنظيم مسألة الزواج..
الإشكالية الأولى هنا تكمن في أن أعداد حاملي المرض تفوق بمراحل أعداد المصابين به.. وزيجات حاملي المرض من بعضهم تبشر بأجيال جديدة من المصابين..المشكلة الرديفة هنا هي أن حامل المرض لا يعاني من مشقته وبالتالي قد لا يعي وطأة العيش تحت رحمة مرض وراثي يجعله أقرب للمعوق منه للسليم. لذا فهو يغامر بالزواج جاهلاً أو مستهيناً بما ينتظر سلالته من مصير قاس.
ونحن هنا لا نلوم العروسين الشابين بقدر ما نلوم الأسر التي تتماهى مع رغبة أبنائها.. الكثير منهم واقعاً يخشون سخط أبنائهم أو ملامتهم فيسايرونهم خوفاً أن يتهموا باغتيال سعادتهم. متجاهلين أن ما من زيجة تنعم بالسعادة في وجود ابن يعاني يعي الوالدان – جيداً – أنهما السبب المباشر لمعاناته!!
المأذونون الشرعيون من جهتهم ملامون لكونهم لا يتشددون حقاً في المطالبة بشهادة الفحص الطبي “ربما لعلمهم أن الشهادة لا تغير في المعادلة شيئاً’’ فالكثير منهم يتم إجراءات الزواج – ثم – يُطالب ولي الأمر باستخراج فحص طبي منعاً للحرج أو للتملص من المساءلة.
على صعيد متصل فمشايخنا الذين يصدرون الفتاوى ليل نهار مطالبون بفتاوى تحرم الزيجات التي تُؤدي للإضرار بالنسل.. وليتفقد هؤلاء الجناحين 41 و61 بمستشفى السلمانية ليروا بأعينهم الأطفال المصابين بالسيكلر وهم مسجون كالكهول يئنون تحت وطأة ألم لا خلاق لهم به، ليقدروا حجم المعاناة ويتبنوا موقفاً جادا من المسألة.
فلو كان الأولون قد أنجبوا هذا الجيل من المرضى جهلاً.. فعلينا أن نوقف نحن إنجابهم عدواناً. وإن كلفنا ذلك بعض المواجهات والصدامات.