قال وقوله الحق: اجتماعية ناقدة:
”أصنف نفسي من الطبقة الوسطى _ رغم أني لا أعرف مقياسها_ وأحياناً أقول إني من الطبقة المستحلبة..راتبنا الشهري (الزوجي) ألفان ونيف؛ يؤلمني الشعور الذي أقرأه في عين من يسمع بذلك.. فالكل ينظر إلينا بأننا مرتاحون مادياً رغم أننا ”منتفون”
وليفصِ�’ل كلامه أردف:
”ندفع ألفاً وخمسين ديناراً مستحقات السكن من قرض أخذناه لشراء قطعة أرض صغيرة وإيجار الشقة التي نقطنها حاليا؛ نفكر كل يوم في البناء ولكنه سيكلف نحو 80 ألفاً لدور ونصف ”نحو 4 غرف” وسنغطيها كالتالي: 40 ألفاً من قرض الإسكان وقسطه 200 دينار شهرياً، إضافة لقرض شخصي آخر لن يقل التزامه عن 200 دينار شهرياً، وبقية المبلغ سنتدبره بجمعية قسطها 200 دينار؛ ولدينا – أصلا- قرض شخصي قسطه 145 ديناراً وسيصفى لنا في المستقبل من رواتبنا 400 دينار” هذا إن تخلصنا من إيجار الشقة الحالية طبعا” ستتوزع على الفواتير وتعليم الأبناء والمستلزمات الغذائية..
أسألك هنا يا سيدتي: هل ما زلنا فعلا طبقة ”متوسطة”.. ؟!
كان لسؤاله وقع ثقيل على نفسي.. سيما وأنه أكد أنه – بسبب تلك الحسابات العصية- يفكر دوماً في التراجع عن حلم بناء بيت العمر خشية أن يتحول بعد بناء البيت لمعوز لا يملك ما يملأ به خزان سيارته..!!
الوضع موحش جداً.. خانق واقعا.. فلقد تآكلت الطبقة الوسطى وتعرضت للإبادة الجماعية في غفلة فضاحة من المجتمع.. فالأطباء، المهندسون، أغلب موظفي الدولة، بل وحتى موظفو البنوك الذين كنا ننظر إليهم حتى وقت قريب على أنهم قوام الطبقة الموسرة طردوا بوحشية من حياض الطبقة الوسطى، ونزحوا للفقر دونما سابق إشعار ودون أن يتنبه لسقوطهم هذا أحد؛ بما في ذلك هم أنفسهم..!
قبل سنوات معدودات كان من يناهز راتبه الألف دينار أو يتخطاه؛ يعد مرتاحاً مادياً، ونحن لا نتكلم هنا عن عقود مضت بل نتكلم عن بضع سنوات فقط؛ اليوم وحدهم المنحدرون من عائلات موسرة؛ أو أصحاب الوظائف المجزية وهي قلة..أو من ركبوا موجة الأسهم أو العقار في بدايتها؛ أو من عملوا في التجارة دون أن يصيبهم وابل القرارات العشوائية في مقتل من يعدون موسرين..
ولاشك أن ما أجهز على الطبقة الوسطى هو التباسات أزمة السكن التي تتعقد ولا تتحلحل كما يعتقد البعض..
فكيف لك أن تكون في عداد الطبقة الوسطى وأنت لا تملك مسكناً.. وزارة الإسكان – ولنكون منصفين- تعمل بما تأتى من ميزانية تمنح لها، ولكن الطلبات تتراكم تباعا لعجز الناس عن توفير سكن لأنفسهم.. وهذه المشكلة لن تؤول إلا للأسوأ.. سيما وأن قرارات الإسكان الأخيرة حرمت كل زوجين يفوق راتبهما الـ1500 دينار من ذوي الطلبات الجديدة من الانتفاع بالخدمات الإسكانية، وهو قرار جائر سيخفف من ضغط الملف الإسكاني على الحكومة ولكنه، سيهوي بكثير من الأسر وسيقود إلى ما لا يمكن تخمين عاقبته الآن..!!
صاحبنا الذي تحدث أعلاه واصفاً نفسه بـ”المنتف” كان يأمل من وزارة الإسكان، التي سترفع سقف قروضها كما هو مزمع لـ60 ألفاً، أن تشمل أصحاب الطلبات القديمة بالقرار.. ونشبك الأيادي آملين معه أن يتحقق المراد ولكن.. مازلنا نترقب التفاتة تخرجنا من هذه المراوحة الوجلة للملف الإسكاني.. فالرؤية الاقتصادية التي تكابد البحرين لبلورتها يجب أن تضع بين عينيها السؤال الناجز التالي:
كيف نعيد للطبقة الوسطى هيبتها؟! كيف نحمي المتعلمين والتكنوقراط من زحف العوز والحاجة؟
كيف نحد من اتساع الهوة بين الطبقات؟! كيف نحمي – بالكشف اليقظ- بنية الدولة من التصدع، سيما وأننا بتنا نعرف أن الملف الإسكاني هو مكمن العلة؟!
أسئلة كبرى يجب أن يهيمن ظلالها على مخيلة المسؤولين خوفاً من غد لا يُؤمن فيه من ثورة ”المنتفين”!!