اجتماعية ناقدة : رحال بينهما المذهب وأمٌ قاسيةٌ ثخينة الفكر لا تعرف من التدين إلا قشره.. تعاهدا على الانتظار وطال بهما الأمد.. ولم يتسنَ�’ لهما الزواج إلا بعد وفاة الأم المتعصبة.. ودعا الانتظار ولوعة الفراق وقذفا الحزن في وجه الأمس واستحبا فتح صفحة جديدة تنسيهما طعون الماضي.. كانت هي قد شارفت على الأربعين وتخطى هو الأربعين بسنوات؛ وساكنتهما أختها التي فاتها قطار الزواج..
3 سنوات مرت وهي تنتظر الحمل.. ثلاث سنوات ظنت فيهما أنها ودعت حلم الأمومة للأبد لتقادم عمرها.. فلما حملت برقت في السماء النجوم من فرط فرحتهما.. ”تحاطط” الثلاثة وكلٌ وضع حلمه في هذا الرحم.. أراده الزوج صبيا يكون له الإخوة الذين جافوه اعتراضا على زواجه.. وأرادته الخالة طفلةً تشغلها وتهب لحياتها معنى.. أما الزوجة فتمنت توأماً يختصر عليها السنوات وعناء الحمل ولكنها ما وضعت إلا صبياً شاء رب العزة أن يكون من ذوي الإعاقات العقلية ”متلازمة داون”..

كان الهم ثقيلاً وكانت الصدمة مر�’ة.. ولكن الله يمتحن الإنسان بالبلايا ويمنحه معها الصبر والحكمة.. عام مرَ�’ وحملت السيدة مجدداً وخاوت الخوف حتى وضعت.. وضعت صلاح الذي أنارت ابتسامته عمر أبويه وخالته.. وكأنَ�’ الدنيا أرادت مصالحتهما بهذا الولد.. جميلٌ متقد الفكر خي�’رٌ نير عطوف رحيم.. تذكر الأم كيف أنها استيقظت ذات ليلةً فوجدته يباشر أخاه الكبير ويعتني به بحنان لا يبدر في العادة من صبي في التاسعة.. ليلتها؛ نامت الأم قريرة العين ودخلت السكينة قلبها للمرة الأولى منذ ولادة طفلها الأول لأنها عرفت أنه لن يضيع بعدها؛ في وجود أخ سيرعاه بعد عينهما..

خالتهُ كانت الأكثر سعادة به.. كان يرنو إليها كلما سمعها تقرأ القرآن وسرعان ما بات ينقل لها ما يتعلمه في دروس القرآن.. مرت السنوات وكبر صلاح.. وسرعان ما حمل مسؤولية البيت – وهو ابن الـ21- لتدهور صحة والده.. مرت فصول طويلة على تلك الأسرة ولكن كل شيء بدا جيداً.. فصلاح موجود.. وبوجود صلاح كان كل شيء حسنا..

في شهر رمضان 2005 خرج صلاح ليبتاع لخالته طلباتها.. رفع المؤذن الأذان وابتلت عروق الصيام ولم يعد صلاح.. كانت عينا أمه تطوف بالباب كالبندول.. وكان الأب يتبرم رافضا الإفطار قبل وصوله.. ساعات مرت من الانتظار القاسي حتى وافاهما الخبر.. شاب ثلاثيني صدم مركبة صلاح من جهة السائق.. وبوصولهما للمستشفى كان صلاح قد سلم روحه لبارئها..

انطفأ نور الدنيا في عين الأسرة.. كتمت الفاجعة صوت الأب لأيام وسحق الخبر روح الأم التي ما بان لها ضرس بعدها.. بعد وفاته بأشهر توفيت خالته كمداً.. أما المسرع الذي صدمه فقد تعافى بعد شهر.. حكمت عليه المحكمة بالسجن عاما واسترحمت عائلته له فأطلق سراحه بعد 7 أشهر عاد بعدها لحياته الطبيعية واستبدل سيارته الألمانية بأخرى ولكن.. من سيستبدل صلاح..؟! ومن سيجيب على أسئلة أخيه الذي يسأل عنه في اليوم 100 مرة..؟!

في كل مرة تسرعون فيها – أرجوكم- تذكروا صلاح.. تذكروا عائلته التي لازالت تنزف وحرقتها التي لم تطفئها الأيام بعد.. 
أرجوكم تذكروه.. وأنتم ترقبون مؤشر السرعة يتخطى الثمانين للمائة والمائة للـ120 لتلحقوا مسلسلكم المفضل أو مباراة أو موعد مع صديق.. لأنكم لا تعرفون أي روح ستخطفون بسرعتكم هذه.. ومن هو صلاح الذي سيقتل هذه المرة.. وأي قصة خفيه قد تضعون نهايتها.. بطيشكم ذاك..