اجتماعية ناقدة : يُنسب لنابليون أنه قال «طالما السيف إلى جانبي، سأقطع لسان كل من يتجرأ على العمل في المحاماة أو يستخدمه ضد الحكومة». وعلق روجيه بروت على ذلك بقوله «لقد برهن الزمن أن لسان المحامي أكثر صلابة من سيف الجنرال. بدليل ذهاب الأخير وبقاء مهنة المحاماة وازدهارها».
فلمهنة المحاماة ثقل لا يُستخف به ولها هيبة ماضية في نفوس الطغاة.. فجُل�’ التحولات الدراماتيكية التي عرفها التاريخ في أنظمة الدول حمل لواءها عسكريون أو رجال القانون.. لذا استهدفت النظم السلطوية دوماً المحامين المستقلين وحل�’ت نقاباتهم – كما يحدث مراراً في الدول العربية – لأنهم عادةً من ينو�’رون الجماهير لحقوقهم ويتصدون لانتهاكات حقوق الإنسان ولتزوير الانتخابات.
في البحرين، كان الصف الأول من المحامين دوماً عوناً للعدالة والحقوق والحركات المطلبية العادلة.. والمتتبع لتاريخ النضال في البحرين يكاد يرى بصمات مواقفهم الوطنية في كل المنعطفات والأحداث.. كان منهم – وسيكون مادام الزمان – متطفلون أف�’اكون جشعون، ولكن السواد الأعظم كان مقدراً لجلال هذه المهنة وعبء مسؤولية معرفة القانون..بيد أننا بتنا نلمس اليوم نكوصاً على المبادئ السامية التي تقوم عليها المهنة، لاسيما بعد أن غزا المهنة محامون ومحاميات لا يجذبهم لها إلا بريق دراهمها.. وهناك بالطبع دخلاء ينتسبون إليها للوجاهة بعد استحصال شهادات «نص كُم» من جامعات «نص كُم».. وهناك متقاعدون أرهقهم الفراغ فدخلوا المهنة بعد شراء شهادات بالانتساب في عامين أو ثلاثة.
لقد أصبح الباب مشرعاً لأيٍ�’ كان لممارسة المهنة، وتلك حقيقة يدركها أهل الشأن ملياً، فكثير من الدخلاء وغير المؤهلين غزوا المهنة مستغلين عدم وجود امتحانات تختبر صلاحيتهم للمهنة قبل أعطائهم رخصة لممارستها.. وغياب أية معايير للجامعات التي يتم قبول شهاداتها.. فإن أضفنا تعداد هؤلاء لتعداد «تجار القوانين» الذين ابتُليت بهم المهنة سنرى بوضوح سبب انحطاط المهنة وسر تراجع الثقة بالمحامين وتقزم دورهم في الحياة العامة بعد أن كانوا من أعمدتها.
و«تجار القوانين» هؤلاء وحدهم «مو�’ال» مستقل؛ فهم مرض يعتمل في أحشاء المهنة ويسمُ�’ها.. أولئك المتحررون من كل الالتزامات الأخلاقية والأدبية التي تطوق الفرد السوي – بغض النظر عن كونه محامياً.. وأولئك مستعدون لأن يكونوا محاميين حتى للشيطان لو رأوا المنفعة في ذلك.. قد يجادل البعض هنا ويقول مهمة المحامي هي دفع العقاب عن موكله أياً كانت جريرته..
والحقيقة أن للمحامي واجباً بالطبع تجاه موكليه، ولكن له واجباً تجاه العدالة أيضاً.. فالمحامي يجب أن يكون مقيداً بالتزامات أخلاقية وأدبية، والمحامي الصالح هو ذاك الذي تجعله يراعي مصلحة موكله ومصلحة المجتمع، بل والمعتدى عليه في أحيان كثيرة.
إن بسط العدالة وإصلاح القضاء في البحرين يتطلب إصلاح المحاكم بدرجاتها، وإصلاح المحامين أيضاً.. وإصلاح المحامين يتطلب أولاً صوغ ميثاق شرف للمهنة يكون دليلاً للمستجدين عليها لئلا ينساقوا وراء النماذج الرديئة التي طفت على الساحة.. وتفعيل لجنة، تابعة لجمعية المحامين البحرينية مثلاً، تنهض بمهمة تلقي الشكاوى المتعلقة بتجاوزات المحامين ضد موكليهم وغيرهم، بحيث يكون لدى تلك اللجنة صلاحية فرض إجراءات تأديبية – تصل إلى إيقاف القيد – إن تكررت تجاوزات المحامي نفسه، ونوصي في هذا المقام أيضاً بامتحانات للخريجين لا تمنح رخصة مزاولة المهنة إلا بها؛ وتلك ضرورة اليوم خصوصاً بعد أن صارت الشهادات تأتي معلبةً بالبريد المسجل.