اجتماعية ناقدة : جدتي لأمي لم تكن ثرية -واقعاً- لم تكن حتى سيدة موسرةً؛ ولكنها دأبت على أن ترسل صوانيها يوميا للجيران الذين لا عائل لهم والمسنين الذين ليس لديهم من يخدمهم.. لا أذكر جدتي – رحمها الله – فقد سبق رحيلها تفتق وعيي؛ ولكني لطالما سمعت والدتي تروي كيف كانت والدتها تشقيها بالذهاب يومياً لتوزيع الصحون والصواني على منازل بعيدة نسبيا عن بيتهم المتواضع..
لم يكن جدي رحمه الله يُحاج�’ها في ما تفعل، رغم أنه عبء إضافي لم يكن يحتاجه مع كثرة أولاده ومحدودية دخله، ولو كان فعل لما كانت سمعته على الأرجح؛ فقد كانت كما يستذكرها أهل المنطقة؛ امرأة قوية مستقلة. ورغم تبرم والدتي – كطفلة – من ندب أمها المستمر لها إلا أنها ورثت – وأخواتها – ذات الطباع عنها.. فأحببن فعل الخير ووسعن حلبته..
أٌقول ذلك، سامحةً لنفسي بالتفاخر والفخر منبوذ، لامتناني واعتزازي – لا بنسب ولا مكانة ولا مال – بل لأني من سلالة نساء رحيمات؛ شغلن الذات برعاية من هم أقل حظاً منهن في هذه الحياة..
في شهر رمضان بشكل خاص ينشطن ملياً: يجمعن الأسماء والمساعدات من العائلة ويوزعنها على المتعففين وكذا يفعلن في مواسم الحج والمدارس.. مثلهن كثيرات في البحرين من النساء المعطاءات؛ نساء لا يظهرن في الصحف والمجلات ولا في حفلات الاستقبال ولا يتبخترن في المعارض وأطباق الخير ولكنهن لا يوفرن غاليا ولا رخيصا في سبيل الخير؛ تجدهم يجوبون الأحياء والقرى ويدخلن المنازل ويتقصين عن المعسرين ولا يفرقن في ذلك بين سني وشيعي ولا عربي وأعجمي ولا مواطن ولا وافد..
قبل أيام فقط بدأت إحداهن حملة لجمع تبرعات لأسرة باكستاني دهسته حافلة ودهست معه مستقبل 5 أطفال استيقظوا بولاية عائل وباتوا في ليلتها أيتاما.. وقد أثمرت جهودها عن جمع مبلغ محترم من المال يعينهم لحين الانتهاء من إجراءات التعويض البطيئة التي تعترف بيروقراطيتها بقرص الجوع والحاجة.. وتلك الفزعة هي شيمة أهل البحرين الذين – إن دقت ساعة الحقيقة – لا ينظرون لمذهب ولا عرق ولا جنسية بل لوجه الله وحده ..
في مدينة عيسى الكل يعرف أم حسان ودورها المشهود؛ فهي تقصد قطر ودبي لتجمع المساعدات للأسر وتتقصى حاجتهم للأدوات الكهربائية وتوفرها بالتعاون مع محلات بعينها.. في الحد سمعت عن سيدة يقال لها أم أحمد، ترعى سفرة لإفطار العمال الوافدين بشكل خاص.. وهناك أم عدنان التي ترعى وصديقاتها مشروعا لجمع الملابس والحقائب – شريطةً أن تكون في حالة ممتازة – ويوزعنها بعد تغليفها بشكل بهيج ولائق لإدخال البهجة على الشابات من الأسر الفقيرة..
في الحورة هناك سيدة هي ذاتها معوزة؛ ولكنها تنثر البهجة بزيارة منازل المسنين بغية تنظيفها وغسل ملابسهم المتكدسة..
أعتقد أننا نريد القول إنه، ورغم وجود جمعيات وصناديق خيرية نشطة في الخير والمساعدة، إلا أن هناك طيفاً واسعاً من النساء اللواتي لا يرون بذل المال منتهى طموحاتهن.. لذا فهن يسعين لأدوار أكبر ولا يوفرن في سبيل ذلك طاقةً ولا جهداً ولا وقتاً سيما في هذا الشهر.. فالبذل ليس في المال فحسب.. فاللطف والرحمة والحنان عناصر قيمة لها مفعول السحر على أفئدة المحرومين..
رحيق الكلام:
—————-
أبواب الرحمة في شهر رمضان لا تفتح في السماء فحسب بل على الأرض أيضا.. فانضموا لقافلة هؤلاء المضيئة قلوبهم.. افتحوا صدوركم قبل محفظاتكم.. فكروا أن تفعلوا شيئاً لطيفاً لمن هم أقل منكم حظاً وسيرتد عليكم صداه في الدنيا؛ قبل الآخرة..