:للقلب والروح

من الأفلام التي لاقت رواجاً كبيراً في الثمانينات فيلم (جري الوحوش) الذي قام فيه الفنان نور الشريف بدور مليونير عقيم، فيما مثل الفنان محمود عبدالعزيز فيه دور زوج “فحل” يعمل منجداً للأثاث ولا يكاد يقرب زوجته حتى تحمل!!

اشتبكت حياة الاثنين عندما توصل د. نزيه “قام بدوره حسين فهمي ببراعة” لاكتشاف يمكن العقيم من الإنجاب بعد زراعة جزء صغير -يُدعى التورلوب- في دماغه، وبدأت عندها المحاولات لإقناع المنجد بالتبرع بهذا الجزء.. رفض في البدء خوفاً على رجولته ولكن ممانعته تلك تهاوت أمام الإغراء المادي..

بعد العملية تداعت حياة كل منهما بشكل مختلف: فالثري اكتشف أن زوجته المحبة -التي اصطبرت على عقمه 20 عاماً- وصلت لسن اليأس ولم تعد بقادرة على الإنجاب.. عندها وقف حائراً أمام خيار قاسٍ: فإما التضحية بحلمه الأكبر في طفل يحمل اسمه أو.. كسر قلب زوجته التي أحبته وضحت لأجله بالأمومة رغم قدرتها –آنذاك- عليها.. وانتصر “طبعاً” للخيار الأول!! أما المنجد فقد عانى من مشكلات نفسية ودخل مرحلة هوس وصار يردد “أنا مش أنا”، ويسأل دوماً عن حال القرد الذي أجريت عليه التجارب الأولية ويردد بهستريا “هو القرد بيتنطط؛ ولا بطل تنطيط”!

الآن، لم يعد لدى أبو الذهب مانع طبي يحجزه عن الإنجاب ولكنه لم ينجب، وبالغ في تعاطي الأدوية التي دمرت جهاز مناعته فأصيب بالشلل.. أما المنجد فقد قاده التغيير المفاجئ الذي طرأ على حياته لناصية الجنون؛ وصار مستعداً لتقديم كل المال الذي قبضه ليعود لحالته الطبيعية.. 

الفيلم كان مترعاً بالرسائل والأفكار العميقة.. كان أحد تلك الأفلام التي تقولب الفكر وترسو في المخيلة.. في الفيلم وردت عبارة اختصرت كنه رسالته كلها وردت على لسان صديقهم الذي كان صوت العقل الرافض لهذه المهزلة منذ البداية “إن الله منح لكل إنسان منا 24 قيراطاً ووزعها بأشكال مختلفة –قال لهم- منا من أعطاه الله عشراً مالاً وخمساً جمالاً وسبعاً صحة وثلاثاً زوجة صالحة.. ومنها من أُعطي ثلاثاً مالاً وثمانية نجاحاً وعشراً زوجة جميلة محبة والباقي أطفالاً..

لقد حبانا الله جميعاً بالقدر ذاته من النعم -إنما- بأشكال مختلفة.. ولعلي أزيد أن البعض قسم الله له الدنيا وأمده فيها لتكون جنته.. فيما امتحن الله البعض في الدنيا بإعاقة أو مرض أو عثرة حظ ليعوضه عن صبره في الآخرة؛ الحياة الأخرى التي هي نصف الصورة الذي لا نراه كلنا. ولا يقسم الله نصيباً في ذلك النصف لمن لا يراه، ولا يعترف به.. 

إن الحسد الذي يلتهم صدور البعض.. القلق والهواجس التي تطارد الكثيرين في صحوهم ومنامهم.. الإحساس بالنقص الذي يحول بعضنا لكائنات مقيتة.. كل ذاك نتاج هذا الهوس بما لا نملك وعجزنا عن الإحساس بروعة ما نملك؛ إلا أن نحن ما فقدناه نخسره.. 

كلنا نملك ما يستحق أن نحيا من أجله.. نملك أسباب السعادة التي لا يهم حقا أن يراها غيرنا.. الناس تختصر النعم في المال والجمال والنفوذ وتتناسى طيفاً واسعاً من النعم التي تطوقها ليل نهار وتحفها كما الملائكة في ليالي القدر.. 

رحيق الكلام: 
ليس لرغبات البشر أن تنتصر على إرادة الله.. فاسترخِ يا هذا، واستمتع برحلة الحياة.. على علاتها!!