اجتماعية ناقدة : أو .. لأني مؤمنة بأن البدايات الجديدة ممكنة. وعليه لا أجد مبررا لمعاملة المجتمع لهم والطريقة التي يُدفعون بها – دفعا- لحظيرة الإجرام إن ما هم عزموا التوبة.
****

أحمد شاب من هؤلاء الذين لا تملك إلا أن تتعاطف معهم.. في وظيفة أجرها 150 ديناراً عمل رضياً بما أفاءت به الحياة عليه على قلته؛ فلما طُرد من عمله وتكالب رفاق السوء على ضميره تورط في الجريمة تلو الجريمة.. جرائم سرقة ونصب واحتيال أدين في نصفها ودخل السجن وقضى عقوبته وخرج قبل عامين عازماً التوبة وعدم كسر قلب والده من جديد، وحلف أن ينفض عن نفسه وأهله عار الحرام ويدشن في حياته سبيلاً جديداً..

رفض الكثيرون توظيفه، مرة بعد مرة حاول أن يجد وظيفة بلا جدوى .. وحتى من حاولوا توظيفه عجزوا عن إتمام إجراءات توظيفه لغياب شهادة حسن السيرة التي لا تصدر للسجين إلا بعد مرور 3 سنوات من الإفراج عنه. لم ييأس، عمل في سوق الخُضار يشتري من بائع ويبيع للمارة .. عمل في بيع السمك لما وجد لذلك سبيلاً.. ضغطت عليه الحاجة فلم يستسلم، ضغط عليه رفاق السوء فقاطعهم.. نبذه المجتمع، وأسمعه الناس في المسجد كلاماً ثقيلاً، لكنه اعتصم ببيت الله ورفض أن يقطعه من أجل كلمات بعض السذج الذين يجهلون أن خير الخطائين عند الله التوابون.
ضاق عليه الرزق فعمل في تنظيف الفلل لثلاث مرات أسبوعياً بـ 50 ديناراً شهرياً «ليس العمل عيباً، ولكن العيب هو أن أستسلم لحياتي القديمة»، هكذا قال عندما قابلته .. مرت على توبته سنوات ما عاش فيها يوماً مستقرا .. لأن شبح الأحكام السابقة مازال يطارده. ناهيك أنه مهدد بالحبس في أية لحظة..

قد تسألون كيف وقد أدى عقوبته؟ والحقيقة أن نظامنا القضائي لا يحكم في القضايا دفعة واحدة.. لذا فإن بعض القضايا التي سجلت عليه في 2002/2003 مازال يُحكم فيها للآن. وعليه، فإنه وبعد أن جاهد لترميم حياته ورتق سمعته، مهدد أن يفاجأ بحكم طازج (في جريمة قديمة) يعيده لقبضة القضبان من جديد.

هذا الشاب هو نموذج لشباب عدة يُدفعون إلى حياض الإجرام – مراراً وتكراراً – بفعل منظومة النظم التي تنظر للعقوبة كفعل “إيلام وانتقام” لا كوسيلة إصلاح وتأهيل.. ففي حين تعمل المؤسسات العقابية المتطورة في العالم على توفير أعمال ومصادر رزق ومعونات لخريجي السجون ، وتجتهد الدول في سَن عقوبات بديلة عن سلب الحرية، نرى أن السجين هاهنا يُحرم – طيلة 3 سنوات – حتى من شهادة حسن السير والسلوك التي تؤهله إلى العمل.. فهل يتوقع المشرعون الأفاضل أن يتأبط هؤلاء الكتب والمجلات على مدار ثلاث سنوات من دون أن يعودوا للجريمة سيما أن أغلبهم معوزون وينتمون إلى عائلات معوزة ؟

إنها فئة تحتاج لإلتفاته من الدولة ومن المجتمع أيضا فهو مطالب بأسره أن يكون أكثر إنسانية مع هؤلاء:
فلا ينبذهم، ولا يجرحهم، ولا يحرمهم الحق الأصيل لبني البشر.. في البدء من جديد..