مقالات ساخرة : بلا مبالاة نحن هنا أمام منجل جمر يحترق بناره اثنان ثالثهما الوطن: رجال الأمن الذين يشتبكون في حرب شوارع أثبتت التجربة أنها قد تودي بحياتهم؛ وسكان القرى والمناطق المبتلاة التي ترابض قوات الأمن على تخومها ليل نهار؛ وتنار شوارعهم يوماً وتغط في الظلمات أياماً.. القرى التي تُغلق محالها من المغرب خوفاً من أن يطالهم «الراش»؛ والتي تحوم الطيارات العمودية على رؤوسهم وكأنهم في خضم غارة.. تلك القرى التي لا يعرف أهلوها متى ستتسلل رائحة مسيل الدموع أو أبخرة الإطارات لتعمي عيونهم وتدخل أطفالهم في نوبه بكاء لا تهدأ..!!
هذا المنعطف لا يتطلب منا التصادم والتهويل وتبادل قصف الاتهامات بقدر ما يتطلب منا التعقل ومحاولة فهم الآخر.. وسأسر لكم هاهنا بأمر؛ في قرارة نفسي أرى قوات الأمن ضحايا مثل سكنة القرى تماماً!!

قد لا يروق قولي هذا للكثيرين وقد يستفزهم؛ ولكنها قناعة راسخة في ضميري.. فمشاكلنا في هذه البلاد معيشية -أولاً- ومن ثم فهي سياسية.. الظلامة التي يجأر بها الناس معيشية وسياسية.. أوجاع الناس وهمومهم وليدة تعقيدات لا دخل لها بالأمن وبالتالي فهم ليسوا الخصم هاهنا.. ولكن الأمور جُر�’ت للمربع الأمني نتيجة «كبوة» استراتيجية؛ ومع توالي سقوط الضحايا من الجانبين ستُنسى بعد حين، وسنذكركم بما نقول، المشكلات السياسية وسيتم الدوران في فلك المواجهات الأمنية ومَن�’ قتل مَن�’!! ومَن�’ اعتدى على مَن�’؟! ومَن�’ سينتصر على مَن�’!!

وحكمة الداخلية يجب أن تظهر الآن بالصبر وضبط النفس ووقف الاشتباك العنيف مع المتظاهرين لكي لا يصب الغضب على الداخلية -كجهاز وأفراد- ويحملوا وزر سياسات وأوضاع لم يخلقوها.
لتفصيل ذلك نقول إن مواجهات الأمن مع المتظاهرين؛ مما نراه؛ لا تخرج من دائرة ثلاثة أسباب:
اعتراض الأمن لتظاهرة أو مسيرة لأنها غير مرخصة.. أو منع ندوة لإحدى فعاليات المعارضة بدعوى عدم الالتزام بالإخطار، أو.. لأن أعمال شغب انطلقت -كحرق إطارات أو مولدات كهرباء أو تخريب ممتلكات-.

بشأن السببين الأوليين نقول: وعلام؟!
فليقل الناس ما يريدون قوله!! فلتخرج المسيرة – ولو غير مرخصة- «وديتها» ساعة وبعض الشعارات وتتفرق!! ثم إنهم لا يتظاهرون أمام البرلمان ولا مبنى الحكومة فما ضركم أن أفضوا بما في قلوبهم في مناطقهم!! أما ندوات المعارضة فأعتقد بأنه لن يقال فيها أكثر مما يُردد – أصلاً – في المنتديات والجلسات والتجمعات..!!

قدموهم للقضاء فيما بعد إن شئتم لتجازوهم طلب الترخيص ولكن لا تتواجهوا معهم فورياً لتخلفوا مزيدا من الغضب والخسائر.. إن سياسة قولوا ما تريدون وسنفعل ما نريد تُستخدم بجدارة في البحرين منذ سنوات؛ فلم كل هذا التشدد والعنت مع المحاضرات والمسيرات!!

بالنسبة لسبب التماس الثالث نقول: إن سلمنا بما يعتقده جُلنا من أن محركي حرب الشوارع هم إجمالا صبية وشباب يافعون نال سم الفقر والضغط والتحشيد من خلايا مخهم فسارعوا لتخريب مناطقهم بأيديهم.. فالتواجه معهم لا يزيد الأمور إلا اشتعالا ويؤجج رغبتهم في مزيد من المواجهة والأعداد لجولات أعنف..

لا تستخفوا بما نقول ولا تسطحوه.. فالحكمة اليابانية تقول «أقوى الخصوم هو من لا يملك ما يخسره» هؤلاء لا يملكون ما يخسرون.. هذا وقد أثبتت التجربة أن تدخل الشرطة ببنادقهم وقنابلهم المسيلة للدموع لداخل المناطق فجر الوضع أكثر مما خدمه؛ وأنتم تعرفون – كما نعرف – أن أعمال الشغب كثيراً ما تحدث – نكاية – في العسكر لا أكثر؛ وبالتالي فإن التراجع عن تطويق المناطق والكف عن التماس مع المتظاهرين قد يهدئ الأمور بل وقد يدفع أهالي القرى ذاتها لاحتواء الأوضاع داخلياً فيما بينهم..

بالطبع سينزع ذلك فتيل المواجهة الأمنية آنياً.. إنما حل المشكلات جذرياً لا يتأتى إلا عبر حلول سياسية تتجاوز التنظير لحلحلة الملفات الموقوتة..