عين على الفساد : قضية المستثمر الإماراتي راشد الكتبي التي سنعرضها اليوم ليست سوى نموذج عما يواجهه ثلة من المستثمرين الذين يقصدون البحرين مأخوذين بما يقدم فيها من تسهيلات لاستقطاب المستثمرين؛ فتتكسر أمواج طموحاتهم على صخور الفساد المعششة في بعض زوايا المجتمع.. ما قاله الكتبي قد يختلف في تفاصيله وهيئته عما قاله مستثمرون خليجيون غيره.. ولكنه يتطابق معهم في أصل المعضلة وقالبها.

قضية الكتبي باختصار أنه شريك أساسي في شركة «بن سرور العالمية» التي تورطت في خصومة قضائية مع شركة روسية ظفرت تلك الأخيرة بموجبها بتعويض وقدره 22 مليون درهم، وهو في الوقت عينه شريك في شركة «حفيت للحفريات البحرية» ولها فرع في البحرين، حيث يتموضع حفارٌ بحري تتجاوز قيمته 8 ملايين دولار.

ووفقاً للقوانين الخليجية، فإن الأحكام الصادرة بحق الشركات ذات المسؤولية المحدودة – كشركة بن سرور – لا ينفذ فيها الحكم إلا في حدود رأسمالها. إلا أن المستثمرين الروس فتحوا للقضية ملف تنفيذ في البحرين – من دون إنابة من محاكم دبي – مستهدفين شركة «حفيت للحفريات»، وهكذا ومن دون إشعار أو إخطار للمستثمر الإماراتي نُظرت القضية في المحكمة وبُتّ فيها! ليتفاجأ المستثمر بصدور حكم من محاكم البحرين ببيع حفاره البحري المملوك لـ «شركة حفيت» لتسديد ما تبقى من مديونية «شركة بن سرور»!

في البداية، ظن الكتبي أن في الأمر لبساً لا محالة.. وتمكن من وقف إجراءات البيع، إلا أن المحكمة حجزت على الحفار حتى الحكم في القضية.. وحتى ذلك الحين ظل المستثمر مطمئناً لتيقنه من سلامة موقفة القانوني.. بيد أن أيادي تلاعبت بالقضية التي مازالت تدور في محاكم البحرين منذ أربع سنوات بين تأجيل وحكم بعدم الاختصاص ورفض ورد.. حتى وصل – هو ومحاموه – إلى نتيجة مفادها أن هذه القضية خارجة عن حياض القانون!

فالأدلة والقرائن واضحة.. من جهة أنه لا يجوز الاقتطاع من شركة ذات مسؤولية محدودة لصالح أخرى.. ومن جهة غياب أي سند قانوني يمكن لمحكمة التنفيذ أن تستند إليه لفتح قضية منظورة في محاكم دبي «وذاك ما يخالف اتفاقية تنفيذ الإحكام لدول مجلس التعاون».. ناهيك عن مخالفته القانون البحري رقم 23 لسنة 1982 الذي ينص على أنه «لا يجوز الحجز على سفينة إلا لدين بحري..»، بيد أن ذلك كله لم يشفع للمستثمر الذي يدور في حلقة مفرغه كلّفته الملايين حتى اليوم كخسائر من جراء الحجز على الحفار الذي يدفع 100 ألف أو يزيد على صيانته وتشحيمه وهو معطل عن العمل بحكم المحكمة!

هذه هي القضية. أما ما وراء القضية، فكان اتصال هاتفي تلقاه المستثمر في الأشهر الأولى لبدء النزاع القانوني.. اتصال تبعته زيارة لشخصية عرضت عليه حل قضيته مقابل مليوني درهم، وهو ما رفضه المستثمر آنذاك لثقته بسلامة موقفه ومتانة قضيته – تماماً – كما رفض وغض النظر عن تلميحات وتصريحات أخرى مشابهة جاهلاً أن القانون – وإن كان حليفه نظرياً – فإنه لا يحميه من قهر المماطلة والتسويف!

ما قاساه الكتبي قاساه ويقاسيه مستثمرون عدة.. تعطل معاملاتهم وتزرع في طريقهم العقبات عن سبق إصرار وترصد بغية ابتزازهم.. منهم من يدفع، مقدماً المنافع على المضار.. فيما يتهيب بعضهم هذه الأجواء فيعود أدراجه.. أما من يعاند ويثق بالقانون – كما فعل الكتبي – عادةً ما يخسر، لاسيما مع غياب جهة تتلقى شكاواهم وتحميهم من هذه العسف.

الكتبي قصَدَنا مناشداً سمو رئيس الوزراء – الداعم الأول للاستثمار – إنصافه وعونه.. فيما نطالب نحن بدورنا بلجنة عالية مستوى تحقق في كل ما يثار بشأن ابتزاز المستثمرين – والروايات في هذا الشأن كثيرة – وكلها تُلقي بظلال من الشك على الاقتصاد وتنفر المستثمرين الذين تستبسل البحرين لاستقطابهم منذ عقود.