عين على الفساد : ماذا تفعل تلك الشركات بالبلاد ؟
من المعادلات التي تغيرت بـعد 9/11 أن السيولة النقدية المهولة في دول الخليج، والتي كانت من قريب تستثمر في البنوك والدول الغربية؛ عادت أدراجها حيث الاستثمار الآمن بعيدا عن تقلبات السياسة والمال.. فتجميد حسابات بدعوى ضلوع أصحابها في تمويل الإرهاب جعلت رؤوس الأموال الخليجية تعيد النظر في التوجه للخارج ” أعلن في وقت سابق أن حجم الأموال المتدفقة إلى السوق العقاري فقط من قبل المستثمرين الخليجيين يقدر بنحو 1000 مليار دولار”.. عودة الأموال المهاجرة استقبلت بالأحضان وتعالت الآمال؛ فتلك الأموال كانت تستثمر في مشاريع تنموية وتعليمية صناعية وتجارية يستفيد من ضرعها الغرب.. وكان العشم أن تساهم تلك لأموال – حال عودتها- في دفع عجلة التنمية في قطاعات عدة ما عادت الحكومات بقادرة على رفدها..
المشكلة غدت؛ أن المستثمرين توجهوا بكل تلك السيولة لقطاع واحد فقط؛ قطاع العقار..الذي شهد بالتالي تضخماً غير مبرر؛ وخلقت المضاربات العقارية مشكلات إسكانية أصابت متوسطي الدخل في مقتل..ورغم حديث الخبراء عن تضخم العقار بنسبة 80% الا ان المشهد على الأرض يقول أن التضخم يصل لـ1000% وليست تلك هي مشكلتنا الوحيدة..فمن المشكلات المؤرقة التي طرأت ، ولنتحدث هنا عن البحرين هرباً من العموميات، أن المطورين العقاريين لا يطورون العقار حقاً.. كل ما يفعلونه هو تملك أراضً خام بأسعار جد رمزية/ أو ردم للبحر بما فيه من تبعات بيئية.. ليخططونها فيما بعد لبيعها بأسعار مضاعفة ملقين على الدولة عبئ إنشاء البني التحتية من شوارع وتمديدات وخدمات؛ ما يحول تلك المشاريع لعبأ إضافي على الميزانية المرهقة أصلا.. !!
ماذا تستفيد البحرين من تلك المشاريع؛ في دول مجاورة – كقطر والسعودية- تمنح الدولة مخططات للمستثمرين شريطة أن ينشئوا هم بناها التحتية ” كما حدث في مشروعي أمواج وديار المحرق ودرة البحرين” وبذلك تكون الدولة قد حصلت – على الأقل- على قيمة مضافة من المشروع..
والسؤال الأهم هو: إلى أين تريد أن تصل البلاد بكل تلك المشاريع..؟
ثلاث محاور نسوقها في هذا الإطار..
أولها: أن على الجهات الثلاث التي تتشتت بينها المشاريع ” الديوان الملكي ؛ ديوان رئيس الوزراء؛ مجلس التنمية الاقتصادية” أن تحدد إلى أين يريدون للبلاد أن تتوجه بتلك المشاريع؛ 40% من تلك المخططات لازالت غير معمرة. وكثير من المشروعات ، التي طُرحت للتمويل، لا تزال صوراً ومجسمات من ورق.. ومع ذلك تواصل الدولة منح تراخيص لمزيد من المطورين العقاريين ليطرحوا مشروعات جديدة.. ما يشكل – كما أسلفنا- عبأً على الدولة التي تنهض – واقعا- بأكلاف تطوير تلك المشاريع.
ثانيهما: بما أننا دولة بلا ضرائب؛ وبما أن الأراضي تُمنح للمطورين بأسعار رمزية .. فعلى الدولة أن تلزم هؤلاء المطورين بتخصيص 5-10% من المساحات لمشاريع إسكانية.. فالمشكلة الإسكانية في البحرين ظهرت بسبب المضاربات العقارية – التي فاقمها هؤلاء في الأساس. في البحرين؛ وبالإضافة لـ47 ألف طلب متراكم، هناك زيادة سنوية في الطلبات تتراوح بين 7-10 طلب وقدرة الإسكان الحالية لا تتعدى تلبية ألف طلب سنويا.. وهذه الهوة لن تردم ذاتيا – إلا- بتدخل القطاع الخاص وهو ما دعا له ولى العهد في وقت سابق..
أخيرا: نعم العقار هو الملاذ الآمن للمستثمرين. ولكن من غير المعقول أن تهمل كل القطاعات لصالح القطاع العقاري.. ماذا عن القطاع التجاري؛ السياحي؛ الصناعي والطبي..؟ يجب أن توجه الدولة تلك السيولة لمشاريع أخرى ملحة تحتاجها عبر عرقلة المشاريع العقارية وتشجيع سواها – سيما الصناعية- عبر حزمة من التسهيلات..
فما يحدث اليوم ضار بلا شك؛ وعلى أكثر من مستوى وصعيد..