عين على الفساد : عندما تتصفح يومياً مطبوعات عدة في الداخل والخارج، يتملكك بعد حين شعور بأن كل الأخبار تشبه بعضها، وأن أسطوانة الأحداث تكر�’ر نفسها بوتيرة رتيبة -حد�’ الضجر- وقلما يلفحك نسيم خبر يثير شهيتك للتأمل والتعليق والتحليل..
قبل أيام فقط كسر خبر في الرأي الكويتية القاعدة بخبر في الصفحة الأولى يعلن: أن المباحث الجنائية استدعت 30 شخصية في شبهة ”الثراء المفاجئ” وجاء في متن الخبر أن المباحث -بالتعاون مع البنك المركزي- قد استدعت 30 شخصية ثارت الشكوك بشأن حساباتهم المالية.. وعلى الأرجح أن تلك الخطوة هي ردة فعل -أو فلنسمها استجابة- لوابل الانتقادات والأسئلة التي أمطر بها النواب وزير الداخلية في وقت سابق لمطالبته بتفعيل قانون ”من أين لك هذا؟” على من أثروا بشكل مفاجئ..
لخبر مثل هذا، وإن كان في دولة شقيقة، وقع الموسيقى على الآذان التي صم�’ها صرير الفساد الذي لا يوجد من يتصدى له.. ففي البحرين لطالما طالبنا أن يتم التحقيق في الثروات التي هبطت على حديثي النعمة بشكل عام وعلى المسؤولين العموميين على وجه الخصوص ”وأبنائهم وزوجاتهم أيضا لكونهم أفطن من أن يضعوا كل أملاكهم بأسمائهم فحسب”.. وسيكون من دواعي سعدي وسروري أن أزود شخصيا المسؤولين بلائحة تضم أسماء ثلاثين شخصاً ”ليستفتحوا” بها سلسلة التحقيقات لحين تزويدهم بالباقي، ولن تعييهم الوسيلة؛ فالخير وفير والثروات المشبوهة ”على أفى من يشيل”.. وكل ما عليهم فعله هو أن يؤشروا وسيجدون أن المعلومات ستأتيهم طوعاً لا كرها، أو ليفتحوا خطاً ساخناً للتبليغ وسيفاجؤون باشتعاله جراء الضغط؛ فالناس ترى وتسمع الكثير ولكنها لا تنطق لأنها تربت على الصمت والخوف، وإن قررت البوح بما تراه وتعايشه لا تعرف لمن تولي وجهها لتفضي بتلك الأسرار الثقيلة.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فسنسوق لكم هنا مثال العقيد العتيد الذي أعلن توبته وربى لحيته مؤخراً تمهيداً للانتخابات.. في شأنه نقول إن الكل ركز، ما إن أعلن ”العقيد الفار” -كما كان يسمى- ترشحه، على تاريخه القرمزي في هتك حقوق الإنسان ودوره إبان حقبة أمن الدولة ما جعل البعض ينبري -من منطلق الفزعة الطائفية إجمالا- للدفاع عنه وتلميعه.. والحقيقة أن لأولئك -إن شاءوا- الحق في التغافل عن تاريخه الحقوقي ولهم أن يصوروه كوطني مجاهد إن هم شاءوا.. ولكن ..
ماذا عن الأسئلة التي تطو�’ق ثروته الكبيرة الموزعة على شكل عقارات ومخططات وأموال سائلة في الداخل والخارج؟!! كيف سيصبح مولانا العقيد عيناً على المال العام والعيون غافلة عن مصدر ماله الخاص الذي يديره تحت اسم زوجته وصهره لليوم!!
إن مهمة التدقيق في الثروات ليست بالمهمة العسيرة كما يظن البعض.. فالمرء إما أن يكون وريثاً لأملاك عائلته ”وهو أمر يسهل إثباته” أو عاملاً في التجارة والاستثمار ”والتدقيق في سقف دخله سهل يسير أيضا”، أو أن يكون قد فاز بجائزة يانصيب من نوع ما أو.. أن يكون استل هذا المال من الجيب العام أو الخاص.. وتمحيص ذاك ليس صعباً إن كانت النية الصادقة موجودة لذلك..
المُراد..
الأموال لا تنبت على الشجر؛ وكل من خلقوا ثروات من العدم في فترات قياسية يجب أن تخضع ثرواتهم للتدقيق والمعاينة لاسيما موظفي القطاع العام من سلف وخلف.. والداخلية والنيابة العامة مطالبتان بتحريك قضايا كهذه بين الحين والآخر، فإن كنا نحاسب من يسرق الأحذية والمحال التجارية فخليق بنا أن نفعل المثل.. لمن ينهب البلاد والعباد!!