عين على الفساد : ليس هناك ما يسمى «صلاحيات مطلقة» ولا «سلطة مطلقة» في دول المؤسسات التي تحترم نفسها وتحترم حقوق الفرد.. فالسلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة – كما قال الكواكبي – ومن الضلال إنكار تلك الحقيقة المثبتة.

اليوم؛ الناظر للكيفية التي تدار بها بعض الوزارات يسيئه ما يراه من تعامل الوزراء مع الوزارة وكأنها إقطاعيته الخاصة؛ هم فيها الأسياد وغيرهم رعايا وتابعون.. لهم الحق في عزل من يشاؤون، واصطفاء من يشتهون، ولهم الجرأة للقول لموظف عام: اجلس في بيتك لا نود رؤيتك، وسيصلك راتبك وميزاتك كافةً بلا نقصان.
بالطبع، لا يأتي الإقطاعي إلا بحاشيته، ونعوذ بالله من ريح الحواشي والوعاظ وشرورهم.. في الوزارة «س» جاء هؤلاء شاهرين السيف عاقدين العين على الغنيمة..

جيء بالأجانب ونصبوا على رؤوس المواطنين ومنحوا صلاحيات وموازنات لو تأتت للمسؤولين البحرينيين قبلهم لقدموا ما قدمه هؤلاء وأكثر.. جيء بموظفين رأس مالهم الطاعة والولاء، ولسان يقطر أحلاماً، وحقيبة ملؤها الوعود التي تكبرهم قامةً.

في الوزارة «ص» حصل المثل بتفاصيل مغايرة.. فالوزير يعي تماماً أنه ما أتى إلا بمعية جمعيته البرغماتية.. وكنوع من العرفان؛ وكما هو متوقع من كل الحزبيين الأوفياء، وزعت المناصب على المحسوبين على الجمعية على حساب سواهم من قدامى الموظفين من ذوي الخبرة والشغف بالعمل، ولكن ذاك لم يشفع لهم بالطبع وهمشوا وعُطلت طاقاتهم لحساب «الأتباع الجدد».. وبالطبع، ليست هناك جهة تسأل لمَ استُقدم هذا وعلى أي أساس ومعيار.. ولم عُين هذا وتُرك ذاك؟..

فالمعايير غائبة، وما من جهة يشكو لها الموظف ظلامته؛ فكل خيوط اللعبة تنتهي بيد الوزير.. فما عساه أن يكون الحكم وهو الخصم والحكم؟

تلك هي مساخر الزمان التي سُقينا منها حتى ثملنا.. وزارات تدار بقرارات فردية مزاجية، ولا أحد يسأل لمَ وعلامَ، ووزراء نرجسيون مستبدون لا قيد لهم ولا رادع يحركون المواقع والموظفين كبيادق الشطرنج.. ولأن الوزراء متغيرون والموظفون هم الباقون فإن الوزير/ الإقطاعي قد يذهب وتطوي الأيام ذكره، وتبقى حاشيته التي يأتي الوزير الجديد – وعصبته بالطبع – بقرار مبيت بتصفية العصبة القديمة.. وتعيد القصة المملة نفسها مجدداً بالحوادث والتفاصيل نفسها، إنما.. بأبطال مختلفين.

هذا المو�’ال يسب�’ب إنهاكاً غير موصوف لعجلة العمل.. ويجعل العمل خانقاً شاقاً مضجراً.. فإن أضفنا لك ذاك أن كل وزير يأتي لينسف قرارات سابقه.. ويهدم المعبد ليبني على أنقاضه معبداً جديداً، وحده الله من يعلم إن�’ كان سيتمه أم سيرحل عنه قبل أن تقوم أعمدته.. فسنجد أننا أمام العلة التي تعيي من يتماحك معها.

إن ما يحدث اليوم فوضى.. وليست هناك جهة يلجأ إليها المسؤول إن دارت عليه الدوائر وطرده الوزير من إقطاعيته.. ولو كانت هناك جهة تتلقى شكاوى الموظفين العموميين وتدرس ما يقع عليه من قمع وعسف لسمعتم العجب العجاب مما يدور في أروقة الوزارات الحكومية المرتهنة لعقل شخص واحد.. وإرادة واحدة. تسعى إلى بناء الأمجاد الشخصية ومكافأة الأعوان، على حساب الجمل وما حمل.