:للفكر

أثارت خيمة ”الحصن الواقي” للدعوة بالطائف جدلا أخيراً بسبب الأساليب المرعبة التي استخدمتها لدعوة الفتيات للعباءة الإسلامية.. إذ عملت على دفع الفتيات الصغيرات لخيمة منارة بإضاءة بنفسجية خافتة تنير مجسم جثة مسجى على منصة.. وقد أعاد هذا الأسلوب ذكريات صور أساليب الدعوة في الثمانينات التي كانت فترة مجد الحركة الدعوية الإسلامية الراديكالية عندما كانوا يضعون الصبية الصغار في أشباه قبور تملأها مكبرات صوت تبث أصوات منكر ونكير وهناك يهال عليهم بعض التراب في تمثيل للحظة الدفن!!
أما الفتيات، فكن يحبسن بغرف حمراء الإنارة تملأها ثعابين بلاستكية ضخمة، وتدار لهم أجهزة تسجيل تملأ الغرفة بأصوات مرعبة تحذيراً للفتيات من عدم الصلاة أو عدم الالتزام.. وتروي كثيرات ممن عايشن تلك التجارب في دول الجوار كيف أغشي عليهن يومها من هول الصدمة وعجزن عن النوم لأشهر من الخوف!

تلك الممارسات دمرت نفسية جيل بأكمله، ومحت شخصيته. وفرخت شخصيات مهزوزةً متحجرة لم تتمكن – حتى الحكومات التي سمحت/ دعمت تلك الجماعات في المقام الأول- من التعاطي معها لاحقاً.. وهو ما دفع تلك الحكومات إلى مواجهتهم ببطش وعنف لما استشعرت عظم خطر من تربى على كره الحياة وزينة الحياة. واستحالة السيطرة على من يعيش الآخرة في الدنيا!

وهذه الأساليب الصلفة للدعوة للدين لا تزال موجودة ولو بقوالب مغايرة.. فكثيرون يرون أن خير وسيلة للتبشير بالدين هي الترهيب لا الترغيب، متناسين قول رسولنا الكريم ”بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا”؛ وهو ما أدى إلى نفور فئة كبيرة من الشباب المسلم من التدين وقاد أخرى للتطرف.. ولكن حمداً لله أن موجة أخرى رديفة قد ظهرت للدعوة للدين بالحكمة والموعظة الحسنة.. موجة يقودها مشايخ ودعاة منفتحون كالعوضي وعمرو خالد وطارق سويدان والقرني والجفري الذين نرى لهم حضوراً بارزاً في رمضان بالذات.. 

هؤلاء.. يطرحون الدين بصيغه حديثة تقربه من حياة الشباب وأفئدتهم.. وتماماَ كما هو متوقع وجدنا المشايخ التقليديين الذين سُحب البساط من تحت أقدامهم يجلدون بسياط النقد هؤلاء وأطروحاتهم.. تارةً باتهامهم بابتسار الدين والتماهي مع القيم الغربية من حرية وديمقراطية.. وأخرى بزجرهم ونهرهم بحجة ”عدم الاختصاص” وهي التهمة الكنائسية البئيسة التي يستخدمها رجال الدين لينصبوا أنفسهم أوصياء حصريين على الدين، وليكبتوا كل دعوة لا تنتهج نهجهم القائم على خندقة الناس في طوائف متناحرة، ثم خندقة الطوائف من الداخل وفق اصطفافات متنافرة.. تدفع مجتمعاتنا الإسلامية أكلافها يومياً!!

يقول تعالى في سورة التوبة ”وَال�’مُؤ�’مِنُونَ وَال�’مُؤ�’مِنَاتُ بَع�’ضُهُم�’ أَو�’لِيَاءُ بَع�’ضٍ يَأ�’مُرُونَ بِال�’مَع�’رُوفِ وَيَن�’هَو�’نَ عَن�’ ال�’مُنكَر” في إشارة لأن التواصي بالحق والمعروف واجبٌ على كل مسلم، وهذا ما لا يستلزم التخصص إلا في الأمور الملتبسة والمتشابهة.

ورغم كل ذاك التحامل الذي يواجه الداعين للإسلام بقالب حداثي أكثر مرونة وأكثر تمدناً وأقل تشنجاً عما هو سائد، إلا أنه لا يحجب حقيقة أن الإسلاميين الجدد – بدعوتهم للفضائل والتسامح والقيم النبيلة- صاروا أنفع للدين من تلك الجماعات التي وطنت مفاهيم معقدة ملتبسة للإسلام. 
قد لا يكون ذلك ظاهراً للعيان بجلاء – بعد- لضراوة الإسلاميين الراديكاليين، ولكن الأيام ستقوي شوكة النمط الجديد من الإسلاميين.. النمط الذي يشيع الإسلام بصيغته الحقة الرحبة الجميلة.

وللحديث صلة…