:للفكر

عندما قرر رئيس الوزراء الديمقراطي محمد مصدق أن نفط إيران هو لإيران تآمرت وكالة المخابرات المركزية الـ’’CIA’’ والـ’’MI6’’ البريطانية للإطاحة به وإعادة تنصيب الشاه محمد رضا بهلوي حاكماً لإيران. 

آنذاك؛ كانت إيران أهم حليف لأميركا في المنطقة. وكانت ثروات إيران، رابع أكبر دولة منتجة للبترول في العالم، مستباحةً من قبل دول الحلفاء. ولتدعيم سطوة الشاه وإرهاب مناوئيه أسست له الـ’’ CIA “ بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي جهاز “السافاك’’، أكثر أجهزة المخابرات وحشية وعنفاً وفساداً في تاريخ العالم الحديث. رسمياً؛ كانت مهمة السافاك قمع المعارضين وتصفيتهم؛ بيد أن السافاك تجاوز هذا الدور ليتحول لأداة قمع للشعب بأكمله مستخدماً التجويع والتعذيب وممتهناً الرقابة وترويع الآمنين.

بطش السافاك، وإسراف وبذخ الشاه وحاشيته، والضنك المعيشي الذي خنق الشعب الإيراني.. هو ما عب�’د الطريق أمام ثورة الخميني في ,1979 فوق أي شيء آخر. 

وبدخول الخميني لإيران تحررت البلاد من قبضة الفساد والطبقية.. وقسمت أملاك الإقطاعيين لأراضٍ زراعية صغيرة وزعت على فقراء إيران.. وصُفِ�’ي السافاك وحُوكمت قياداته. وكان لزاماً أن تضيق القوى الكبرى بالخميني وإصلاحاته الاقتصادية والسياسية التي قوضت مصالحهم.. فدلفت تؤلب عليه دول الجوار بالتعتيم على كل إيجابيات النظام وإضاءة جانب وحيد:
إنه نظام شيعي سيهز العروش السنية التي تحكم المنطقة. ولم تكتفِ تلك القوى بزرع كراهية إيران بين جيرانها.. بل ودعمت نظام صدام حسين ليستنزف قوى إيران بجرها لحرب الثماني سنوات؛ كما وفرضت حصاراً لشل تطور الدولة؛ بيد أن الرياح لم تأتمر بشهوى سفن أميركا وبريطانيا.. فالحصار الذي أُريد به إزهاق روح التنمية الإيرانية؛ دفع بعجلة الصناعة وبمساعي تحقيق الاكتفاء الذاتي.. فكبرت إيران وتقوت؛ وأورثتها قوتها غطرسةً جعلتها تتحدى إرادة المجتمع الدولي بأسره.

في مرحلة ما من هذا كله تفطنت حكومات الخليج لعدم وجود مبرر للعداء مع الجارة المنبسطة شرقاً.. ففي تاريخها الحديث لم تبادر إيران العرب بسوء بل بالعكس؛ دعمت بكل ثقلها القضية الفلسطينية.. ودعمت المقاومة الجهادية في لبنان ضد إسرائيل.. ربما تكون الخلافات الحدودية بينها وبين جاراتها لازالت عالقةً؛ ولكنها على أية حال لا تختلف ضمنياً عن الخلافات بين الدول الشقيقة المتنازع على حدودها كمصر والسودان؛ عمان والإمارات وغيرها.. 

فليست قضية الجزر الثلاث التي تحتلها إيران، ولا رماد الحرب العراقية الإيرانية؛ ولا الاختلاف المذهبي كما يروج البعض، هو ما خلق توتر العلاقات الخليجية مع إيران.. بل هو باختصار تحالف دول المنطقة مع أميركا؛ وعداء تلك الأخيرة المستحكم لذلك الإقليم الذي تمرد على هيمنتها!!

مؤخراً شهدت العلاقات الإيرانية – الخليجية انفراجة كبيرة.. وهي انفراجة تخضع ديمومتها للرغبات والبرامج الاميركية.. ونجاحاتها المتواصلة في تصدير فوبيا إيران/ الشيعية. تلك الفوبيا الحمقاء التي حرمت الدول الخليجية أن تستفيد – وتُفيد – التجربة الإيرانية المتفوقة الماثلة على مرمى النظر.. ووحدها الأيام ما سيكشف إن كنا قد أحسنا اختيار أعدائنا.. وحلفائنا