:للفكر

منذ الثاني عشر من يونيو، وبلغة تفوح منها الشماتة والتشفي، لم توقف آلة وسائل الإعلام العربية “تبعاً لعر�’ابتها الغربية’’ قصفها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية واصمةً إياها بأنها ماكينة قمع وديكتاتورية وسلطوية؛ ومقصلةٌ لكل القيم الديمقراطية والحقوقية.. ويملأ محللونا -بدموعهم- دلاءً وسطولاً على الشعب الإيراني المضطهد وأوضاعه القاسية وحقوقه المهدورة.. حتى لبات المرء يسأل عن سر هذا الهوس بكل ما هو إيراني؛ هوسٌ يوحي للناظرين أن إيران هي خصمناالاستراتيجي والأيديولوجي الأوحد، وأننا معنيون بإيران أكثر من الإيرانيين.. وهي في ذاته مفارقة ساخرة: 

ففي حين نؤكد بين السطر والسطر على حقيقة أن النظام الإيراني يحكمه الملالي؛ وأن لا سلطة فيه إلا للمرشد الأعلى الذي يحرك كل خيوط اللعبة؛ ومع ذلك نصر-في الوقت نفسه- على تضخيم أهمية تغيير شخص الرئيس.. وهي مفارقة عابرة إن قارنها بأخرى أشد سخرية.. تتمثل في تعاملنا -تخيلوا نحن العرب- على أن الجمهورية الإيرانية قد ارتكبت أمرا فرياً بتزويرها للانتخابات في سابقة نتصرف وكأننا لم نرَ لها من قبلُ سمياً!!!

هذا التعالي في الحديث والتنظير عن قيم الديمقراطية وشفافية الانتخابات قد يكون مقبولاً من دول لم تتخذ التزييف خبزاً، ودعاوى الإصلاح المتورمة حصيراً.. فالمراقب لا شك يسأل: ما لنا لم نسمع تلك الأصوات الليبرالية تبكي وتنتحب على ما يشوب انتخابات الرئاسة العربية من تزوير..؟! أين كانوا عندما رفضت طلبات 20 متنافساً رئاسياً دونما مبرر وجيه؟! لمَ لم نسمع تغريدهم عندما لفقت تهم لمرشحي رئاسة وحبسوا وشكك في نسبهم وتعرضوا لمحاولات قتل وتصفية؟! 

أين كانوا عندما حُكم بالسجن – مدى الحياة- على زعماء معارضة دولة صديقة لمجرد أنهم عارضوا فكرة تغيير الدستور بما يسمح بتوارث الحكم في نظام يدعي انه جمهوري ومازالوا يتعفنون في السجون ليومنا هذا!! أين هم عن نتائج فوز الزعماء العرب الخرافية التي تبلغ نسبتها الـ 88.6% وهي نسبة لا يمكن، أن تراها في دولة ديمقراطية تحترم نفسها.. وإلا لانفجر العالم عليها سخريةً وضحكاً!! 

ما لكم اليوم تتباكون على فقر الشعب الإيراني وأوجاعه وبطالته وتصورون إيران على أنها مزبلةالعالم اليوم، وتنسون ما تعيشه شعوبكم الممتدة من المحيط إلى الخليج من طبقية وغلاء وتدهور اقتصادي وسوء لتوزيع الثروة والمقدرات والسلطة.. وتغمضون جفونكم على حالة الاستبداد الفصائلي والفئوي والأمني الذي تعيشه جل الدول العربية، متناسين حالة القطيعة والكبت والحرمان الاقتصادي الذي تعيشه شعوبنا العربية بصمت والتي يبدو الحديث عن الحاكمية والمعايير الديمقراطية -في ظله- من الكماليات لا أكثر!!

إنه لمن سخرية الزمان أن ننظر وننتقد القمع والأنظمة البوليسية في دولٍ -ما لنا بها من شيء- وهم في حالة اضطرابات، وننسى أن المظاهرات السلمية في الدول العربية كثيرا ما تستهدف بالرصاص الحي ومسيلات الدموع، ونعتم على حقيقة الآلاف الذين يقبعون في سجوننا دونما محاكمة، ونطبل ونرقص فرحاً على أخطاء الغير ونتناسى ما تعج به التقارير الدولية من شكاوى التعذيب والاغتصاب وتصفية المعارضين في المعتقلات وفي سجون الاستخبارات..!!

وبالمناسبة إن كان الدستور الإيراني، والنظام الإيراني القمعي والقميء، لا يسمح بأكثر من ولايتين لكل رئيس، فماذا تقولون إذن في رؤسائنا العرب الذين تمتد ولاياتهم لـ40 و60 عاماً أو حتى يحدث الله أمرا..!!

اتركوا إيران، وبعبع إيران، لأميركا وإسرائيل ولـ75 مليونا إيرانيا موزعين حول العالم قادرين على تولي شؤونهم وقلب نظامهم إن هم شاءوا، والتفتوا لأنفسكم.. اخرجوا عن دائرة هذا الصمت المتواطئ بشأن أوضاعكم الداخلية، وكفاكم تنظيرا وتشفياً بحريق بيوت الجيران؛ وستائركم تنفث شرراً..!!