:للفكر
شطح بي الفكر وأنا أسمع جدلهم العقيم حول تشطير مفهوم «الهوية الثقافية والعقائدية»، ووجدتني أبتسم في خضمه وأنا أستحضر تجربةً قام بها علماء سويسريون على خمسة قردة منذ نحو 8 سنوات، ملخ�’ص التجربة أنهم وضعوا القرود الخمسة في قفص وعلقوا في سقفه عذق موز مسخرين للقردة سلماً يسهِ�’ل الوصول إليه، بالطبع سارعت لخطف الموز، ولكن الباحثين رشوا القردة بالماء الساخن. حاول بعضها مجدداً فواجهت المصير ذاتهمرارا، فما كان منها إلا أن عافت الموز – على حبه- خشية لسع الألم والحرق.
بعد أيام أدخل الباحثون قرداً جديداً فما كان منه – ما ان دخل القفص- إلا أن رنا للسلم يبتغي الموز ففوجئ بالصراخ الهستيري لبقية القردة فعدل القرد الغر�’ عن المحاولة رغم أنه لم يتعرض – شخصيا- لقصف الرشاش الحار ولا يعرف علام تلك الجلبة، وتكرر المشهد ذاته مع كل قرد جديد، لاحقاً، أخرج الباحثون كل القردة القدامى «التي جلدت بالماء الحار» ولم يبقَ في القفص إلا القردة الجدد التي ما منعها عن الموز المتدلي إلا فزع القدامى وعويلها، ورغم أن الباحثين عدلوا عن رش الماء، ورغم أن الطريق للعذق صار معبداً، إلا أن القردة ظلت تصرخ بكل قرد جديد لمنعه من الصعود للعذق، لا لشيء إلا أن الأولين أوحت لها بخطر ذلك!!
عندما سُئلت – لاحقاً- عن سر شرودي، خشيت أن أقول لهم أنكم ذك�’رتموني بتلك القردة خشية أن يشعروا بالمهانة،!! ولكنها كانت الحقيقة التي رأيتها في صفوف المثقفين كما أراها في صفوف العوام، كثير من الأفكاروالموروثات التي نستميت للدفاع عنها، ليست سوى نتاج تجارب الأولين وقناعاتهم التي فرضت علينا، بعض تلك الموروثات، التي يسميها البعض عادات وتقاليد، مزجت بالدين لتأمين ديمومتها وتعزيز مكانتها في صراعها مع المنطق والعقل، رغم أن الدين منها براء، بعض عاداتنا ومعتقداتنا انتفى سببها الآن ومع ذلك توارثناها رغم أن المعطيات التي أوجبتها سابقا قد تبدلت، ومع ذلك تبقى تلك العادات متشبِ�’ثةً في المخيلة الثاوية للشخص، تقاوم الانكسار تحت طرق معاول العلم والثقافة والمنطق، لماذا ؟
قوة الخوف التي ذكرناها آنفاً ليست بالقوة التي يستهان بتأثيرها على النفس البشرية، يميل الفرد منا إلى أن يستنسخ تجارب سواه ويمقت أن يكون أول من يأخذ المبادرة في أي شيء، المرء منا يخاف/ لا يريد أن يكون مختلفاً عن المجموعة، في إحدى التجارب اللافتة التي يستدل بها في علم الإدارة دوماً، تعلق لوحة بها خطان متطابقان – تماماً- ويطلب من المجموعة أن تقول – حال سؤالها- ان الخط الأول أطول من الثاني، ويقحم بين المجموعة شخص ويُسأل السؤال ذاته وتكون المفاجأة أن المقحم/ المُختبر ، وما إن يجد المجموعة مصر�’ةً على الإجابة التي تكذبها عيناه، حتى يشكك في عينيه ويوافقهم، رغم أنه يعتقد في قرارة نفسه أنهم مخطئون !!
رحيق الكلام…
مأساتنا الكبرى، أننا مبرمَجون، عقلنا مختطف وفطرتنا معطلة ورشدنا قاصر، مأساتنا أننا نعام نهز رؤوسنا دوما وببغاوات نردد ما سمعناه من أسلافنا دون مساءلة، مأساتنا، هي أشبه بمأساة من قالوا لرسلهم يوماً (إِنَ�’ا وَجَد�’نَا آبَاءنَا عَلَى أُمَ�’ةٍ وَإِنَ�’ا عَلَى آثَارِهِم مُ�’ق�’تَدُونَ) (الزخرف:23)
وما أشبه أمسنا… بيومنا…!!