:للفكر
من يتصفح مظاهر إحياء عاشوراء حول العالم عبر الفضائيات وسواها ويلمح العبرات التي تنهمر من أعين المسلمين؛ لا يكاد يصدق أن الواقعة المروية قد انقضت منذ 1370 عاماً.. ذلك أن الله في عُلاه أراد لهذه الواقعة أن تُخل�’د ليوم القيامة لما فيها من أرث، ومن الدروس التي تختصر كنه الصراع الدنيوي بين معسكري الخير والطغيان، وتشرح مفهوم النصر الخالد – ولو- عبر الهزيمة الآنية.. تلك الدروس التي فهمها المهاتما غاندي فقال ”تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر”، وغابت عنا فما استثمرناها
فبين من رك�’ز على تراجيديا الثورة على حساب رسائلها وأهدافها الكبرى.. وبين من أهملها وتجاهل معانيها وتعامل على أنها لا تخصه.. تبدد الإرث وبقي الرثاء.. وظلم بذلك الحسين واستشهد على يد محبيه ومناوئيه آلاف المرات..
يقول الشهيد المطهري في كتابه عن الملحمة الحسينية: استشهد الإمام الحسين ثلاث مرات: الأولى على يد اليزيديين بفقدانه لجسده، والثانية على يد أعدائه الذين شو�’هوا سمعته وأساءوا لمقامه، أما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه على يد أهل المنبر الحسيني، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم.
فالحسين ظُلم بما نسب له من أساطير وروايات قاصرة عن أن تصبح تاريخاً يألفه أو يقبله العقلاء. ظُلم بذلك لأن تلك الروايات عُتمت على أهداف ثورته ومقاصدها.. ظُلم؛ على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره عندما نسبوا له – ولأهل بيته- حوارات ومواقف وهمية لاستدار الدمع. فصوروه – وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئه بروحه – وهو يلتمس شرب الماء بكل ذلٍ ومهانة من أعدائه، وصو�’روا زينب -الطود الشامخ- التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها؛ على أنها امرأة جزعة بك�’اءةٌ تثب�’ط همة أخيها في الحرب، وتثنيه عن القتال !!؟
ظلم، وأي ظُلم هذا، عندما حُوِ�’لت ثورته الراقية على الوحشية لمناسبة لتعذيب وجلد النفس.. بدأها ”التوابون” من أهل الكوفة بعد استشهاده عندما جلدهم الندم لم�’ا سمعوا بقتل الأمام الذي كاتبوه وبايعوه للخروج على يزيد ومن ثم خذلوه.. فخرجوا في مواكب يشقون فيها الرأس ويعذبون أنفسهم ندماً على ما فعلوه بالإمام وصحبه.. وتوارثت أجيال الشيعة هذه الطقوس التي لا تتناسب مع ثبات المؤمن وصبره بل وسعت لتبريرها بنسب الفعل للسيدة زينب التي قيل عنها – وحاشاها- أنها شقت الجيب وشجت رأسها حزناً على أخيها؛ حتى جاء المراجع الكبار فحر�’موا هذا الطقس ”وعلى رأسهم السيد الخامنئي” فعُلق حتى في إيران لما فيه من تشويه للمذهب؛ إلا أنه مازال يمارس كل عام ملبساً ثورة الحسين ما ليس فيها، ومستدراً على منهاجه السوي النقد والتقريع وازدراء العالم!!
ظُلم..عندما زُج بمظاهر الغلو في مجالسه.. وظُلم عندما اتخذت مجالسه وسيلة لترسيخ الفروقات بين الأمة المحمدية التي بذل روحه لجمع شتاتها والحفاظ على هويتها.. وهو ما عب�’ر عنه آية الله مكارم الشيرازي ذات حديث عندما قال: ما زُج�’ بمظاهر الغلو في مجالس الحسين إلا ليقلصوا من مكانة وعظمة هذه الواقعة الخالدة”.
ظُلم .. عندما دُرست في المدارس قصص أمرئ القيس والمعري والمتنبي وما دُرست ملحمته!! ظُلم..عندما صارت ذكرى استشهاده فرصة التبذير وهدر المال في الولائم المبالغ فيها – تحت اسمه- وهو ابن البيت الذي يتصل فيه الصوم لإيثار التبرع بالزاد على أكله!!
ظُلم ومازال يظلم .. لأن رسالته التي كان خليقاً بها أن ترفع مستوى الفكر البشري؛ غُيبت لصغر العقل وتخثر اللب وتقفل القلوب..!!
فسلام على المظلوم والذبيح العظيم.. الذي ما قدره المسلمون قاطبةً؛ حق قدره..