:للفكر

كنا قد طالبنا، عبر مقال سابق، من يملك أشرطة تثبت تعرض خطباء البحرين للصحابة بالسبِ�’ وسواه أن يقدمه لنا فما تقدم إلا واحد.. ورغم قناعتنا الراسخة بأن جريرة هذا الخطيب فردية لا تمثل منهج الشيعة؛ وهي قناعة توازيها قناعة لا تقل رسوخاً من أن من يسقِ�’طون أتباع مذهب آل البيت ويعِدون أتباعهم بالجنة والغداء مع النبي الكريم في حال قتلهم لشيعي هم – أيضا – قلة شاذة لا تُمثل تسامح وخُلق المذهب السني.. إلا أنه لا بأس من التعرض للمبدأ، ومناقشته مع القلة التي مازالت تعتقد بسداده..

فتهمة سبِ�’ الصحابة – كانت ولا تزال- سيفاً مسل�’طاً على رقاب الشيعة والعصا الأغلظ التي تكبح عجلة الوئام السني/ الشيعي.. مؤخراً فقط عندما دشن مركز الحوار السني الشيعي في الكويت نشاطه باتصالات واسعة مع كبار علماء المذهبين لصياغة وثيقة تقريب بين المذاهب، وجدنا كيف عنون الفريق الشيعي مطالبه بالإصرار على مناقشة حديثي العترة والكساء ومدى صحتهما وما يترتب عليها.. فيما كان المطلب الأساسي والأول للسنة هو منع سبِ�’ الصحابة وأمهات المؤمنين من خلال الوثيقة؛ وهو إن د�’ل فإنما يدل على حساسية هذه النقطة؛ ومحوريتها بالنسبة للطائفة السنية. 

في الشق النظري من هذه المسألة نقول إن جملة من مراجع الشيعة المعتبرين أكدوا – ومراراً- أن السب�’ مرفوض مطلقاً لأي مسلم، وقد نهى عنه الإمام علي (ع) بقوله ”لا تكونوا سب�’ابين”..أما اللعن – وهو الدعاء بإخراج أحدهم من حياض رحمة الله- فحق مباح وفق الآية التي تقول ”أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون” [البقرة: 159 بيد أن تقنينه واجب لأن ”قتل المؤمن أهون من لعنه” كما قال رسولنا (ص) الذي قال في صحيحه أيضاً (لا تسبُ�’وا أصحابي).

فبشكل نظري المسألة محسومة؛ أما على أرض الواقع فتبادل السب�’ والتهم بين المذاهب واقع تؤسس له القاعدة الفيزيائية الشهيرة التي تقول: إن لكل فعل رد فعل يساويه قوة ويخالفه في الاتجاه.. و80 عاماً من سبِ�’ الإمام علي (ع) على منابر الأمويين ولدت فعلاً مشابهاً موجهاً بشكل أساسي للأمويين..وبالتحديد للخليفة معاوية بن أبي سفيان الذي ينظر له فقهاء السنة على انه صحابي يُحظر سبُ�’ه والتعرض له؛ أما ابنه يزيد فهو عند جمهور السنة ”لا يُسبُ�’ ولا يُحب”. كما توجه سياط اللوم أيضاً لبعض الخلفاء على خلفية ما يثار حول ظروف وفاة السيدة فاطمة بنت رسول الله..

ولن نعمد هنا لتشريح قناعات أحد.. ولن ندخل في متاهة التاريخ الإسلامي الملفق الذي لا يشبه فيه كتابٌ كتابا، ولا تتطابق فيه رواية مع أخرى حتى ضمن المذهب نفسه..بل سنردد قوله تعالى ”تلك امة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون”.. 

فنحن اليوم كأتباع مذاهب – ولدنا عليها ولم نخترها- بحاجة أن نتجنب المجاهرة بما يثير حفِيظة المذهب الآخر – سنياً كان أم جعفرياً- وليس في الأمر تقي�’ة ولا نفاق ولا نكوص على مبدأ.. بل هي رغبة في تفعيل أمر الله الذي دعانا للتوحد ورأب الصدع.. يمكن بلا شك إرخاء سِيَر الأولين مع تجنب تجريح أحد، كما يفعل كثير من الخطباء المثقفين اليوم..أما الولوج في سجالات لن تُحل�’ حتى قيام الساعة فعبث، نخر في جسد الأمة المحمدية حتى وهنت ونال منها كل عدو!!

بالله عليكم كفانا.. كفانا عراكا… كفانا جدالا ولنحترم مقدسات غيرنا؛ لكي لا تهان مقدساتنا