:للفكر

إلى واشنطن، توجهت الطائرات الخاصة وتقاطرت الوفود العربية رفيعة المستوى للمشاركة في مؤتمر التقريب بين الأديان، وهي خطوة محمودة، لولا أنها تجاوزت ما هو أهم وأولى.. فنحن العرب لسنا حقاً في وارد التقارب مع أمم وأديان أخرى ومجتمعاتنا قد دخلت الألفية الثانية، وقد زادت خلافاتها فُحشاً وأوصالها تمزقاً.. 

فنحن لسنا بأمة ولا نشبه الأمم في شيء.. ولو جردنا الخطاب العربي قليلاً من الخطب العصماء والبيانات الاستعراضية والشعارات الطنانة التي تتغنى بزمان عروبة ولى وبوحدة إسلامية لا وجود لها إلا على الورق لوصلنا إلى حقيقة أننا فقدنا كل مقومات الأمة، ولم تعد تجمعنا كمسلمين إلا الكلمات الجوفاء.. فالهوية المذهبية هي هويتنا الأولى والهوية القطرية هي الثانية.. ندين بهذا السقطة التي لن تعلو لنا بعدها لثقافة الشحن التي رعتها/ تغاضت عنها الحكومات.. تلك الثقافة التي فعلت بمجتمعاتنا مفعول السحر وحولتنا عالة على البشرية وعالة على أنفسنا!

فعلى صعيد سياسي، لا تجمع العرب إلا المجاملات والنفاق الصرف الذي بالكاد يخفي ما بينهم من أحقاد تنوء الجبال عن حملها.. ولا أدل على ذلك من شأن العرب مع الفلسطينيين على مدى ستين عاماً. فهم يسجلون مواقف تخاذلية معيبة بحق الفلسطينيين رغم ما يجاهرون به من تعاطف.. فهم رغم محنتهم في قعر الجنسيات المرحب بها في أية دولة – ومثلهم اليوم العراقيون – فالعرب مستعدون للكلام عن العرب المنكوبين، ولكنهم غير مستعدين لمساعدتهم، ففيما يُمنح الآسيويون تأشيرة إقامة في ظرف يومين وترسل التأشيرات للأوروبيين مرفقة برسالة شكر، فإن العربي – لاسيما الفلسطيني – لا يحصل على تأشيرة دخول لأرض عربية إلا بشق الأنفس! العالم الغربي يفتح أبوابه للكفاءات العربية ونحن نؤثر عليهم العمالة الهامشية الآسيوية!

وفي الوقت الذي يهبُ�’ فيه ناشطو العالم وحقوقيوه وصحافيوه للأراضي الفلسطينية للتضامن مع القضية وتقديم المساعدات بعلم دولهم ومنظماتهم ومباركتها.. وفي الوقت الذي يذكر العالم فيه صورة الناشطة الأميركية راتشيل كوري وهي تلفظ أنفاسها تحت عجلات الجرافة (شيول) الإسرائيلية دفاعاً عن قوم لا تربطها بهم غير أواشج الإنسانية.. يذكرون في المقابل العرب في مؤتمراتهم الأنيقة في الفنادق الفخمة وهم يتباكون على الشعب الفلسطيني من جهة في الوقت الذي يحجزون شعوبهم فيه عن الهب لمساعدتهم!

على صعيد شرعي، ليس الوضع بأفضل حالاً.. فهشاشة الوئام بين العلماء وتوتره انتقل منهم للعموم بصورة أكثر فجاجة وأقل حكمة.. والفوهة بين المذاهب، وداخل المذاهب نفسها، صارت من العمق بمكان يحجز الراغبين من المشايخ العقلاء في القفز عليه خشية السقوط من عين مجتمع لم تعد ترى من الألوان إلا لونه.. 

تاريخياً، نحن العرب – والمسلمين عموماً – كائنات مجترة.. نجتر تاريخنا الأسود وما يجرنا له من نقاشات بيزنطية مغبر�’ة. العالم انطلق والكل أخذ موقعه في مصنع الحضارة والعلم وخدمة الإنسانية.. سوانا..
نعم للتقريب بين الأديان السماوية.. ولكن، أوَنبني الجسور مع الغير وطرقاتنا مقطعة؟!

هامش
«مضت قرون خمسة
ولاتزال لفظة العروبة
كزهرة حزينة في آنية
كطفلة جائعة وعارية 
نصلبها على جدار الحقد والكراهية..»
(نزار قباني)