:للفكر
كان سقراط يقول دوما: الخير الوحيد في العالم هو المعرفة، والشر الأوحد.. هو الجهل!!
رن�’ صدى عبارته في مخيلتي مراراً وأنا أسمعها تتذمر “تخيلي يا سيدتي أن المرأة تكون في المخاض، وتكون حياتها وحياة جنينها على المحك، ونطلب من الأب التوقيع على الأوراق اللازمة لتوليدها قيصريا، فيتركنا للاتصال بشيخ وطلب فتوى في (حلي�’ة) هذه الخطوة من عدمها’’، قالت الطبيبة بتذمر..
“هناك موقف لا يمكن أن أتجاوزه أو أنساه – والحديث مازال للطبيبة – كنت يومها أولد توأما لشابة عشرينية وخرج الأول بيسر ولكن الثاني تأخر بشكل مقلق؛ فطلبت من الأم الإذن لشق بطنها خشية اختناق الجنين، ولكنها – رغم ما هي فيه- تمنعت.. وعندما جاء زوجها “بالفتوى’’ كان الوقت قد فات.. فقد أدى نقص الأكسجين على الطفل لتلف في خلايا المخ.. عاش الصبي نعم؛ ولكنه خرج للحياة مصاباً بتخلف عقلي..!!
ولم تنتظرين موافقتهم – سألتها معاتبةً – كيف تسمحين لهؤلاء بأن يجازفوا بالأجنة ويوجهوا دفة قراراتك وأنت من يحمل المبضع في يده والعلم في عقله!!’’، أفشت لي حينها بأنه طوق إجراءات قوانين المشفى الذي لا يمكن تجاهله أو القفز عليه.. ولم أقتنع بالطبع..!!
نبر حديثها ذاك وجع الهوس بالفتاوى.. شاهدوا فقط برامج فتاوى “الإكسبرس’’ لتسمعوا العجبالعجاب.. وسخف الألباب و’’العبط’’ الذي لم ينزل به كتاب:
شيخنا، ما هو رأي الشرع في شرب الشاي في فناجين عليها رسومات؟
شيخ جزاك الله خيرا، هل يجوز رقص الزوجة لزوجها بملابس النوم؟
شيخنا، أحبك في الله، ما هو حكم نغمات الجوال.. هل هي حلال أم حرام؟
ويتواصل الحمق..!!
– موظفة بتسافر دون محرم مع زميلها؛ هل يجب أن تعقد عليه بارك الله فيه ولا لأ؟
..أيجوز شيخنا للمرأة أن تعصي زوجها وتزور أمها خصوصا أن أمها “مش مضبوطة’’!!
أسئلة تسطح الدين وتدل على إعاقة فكرية، يحاول أصحابها التملص من المسؤولية بإلقائها على أكتاف المفتين.. أسئلة تدل على انحراف الوعي الديني وتشوه العقل والضمير.. وأجوبة تختزل الحياة في الحلال والحرام وتفترض أن المفتي، الذي يسمع السؤال/ المعضلة في ثوانٍ، أقدر على البت فيها من الناس الذين يعيشون تفاصيل المشكلة وخباياها!!
نحتاج أحياناً لبعض الفتاوى في الفرائض والعبادات وبعض الأمور الدينية الملتبسة.. ولكننا لا نحتاجهم في الأمور التي تدرك بالفطرة والعقل والمنطق..
ثمة آيات نزلت في احترام أولي العلم وطاعتهم بلى، ولكنها جد معدودة إن ما قارناها بكل الآيات الكريمة التي تخاطب الإنسان كصاحب عقل، وكسيد على خياراته، وكمحاسب على أفعاله.. بغض النظر عم�’ن نصحوه أو أضلوه.
“الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات’’ يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.. والمؤمن الحصيف مطالب برسم خط فاصل بين ما تقبل الفتوى فيه وبين الأمور المصيرية – أو الفطرية – التي يجب أن يحتكم المرء فيها لتقديره الشخصي وفهمه لظروفه ومعطياته عوضا عن الخنوع لفتاوى تكون أحكامها وقراءتها للمشهد في ثوانٍ.