:للفكر

من القناعات المترهلة التي ندفع أكلافها كل يوم.. الإيمان بأن المرء لا يغدو كفؤاً للقيادة واعتلاء المناصب إلا بعد أن يشيخ ويحدودب ظهره.. ففي الشرق يثق الناس بالخبرة، لا بالمهارة والموهبة، وينظر للحماس والاندفاع كصفات سلبية رغم أنها وقود المستقبل!!.
المعادلة في الدول المتقدمة محسومة: ذوو الخبرة مكانهم محفوظ في مراكز التوجيه والاستشارة ورسم السياسات الإستراتيجية فيما يترك الميدان للشباب للقيادة والإدارة والتطوير.. قبل أشهر؛ وفي عزً الأزمة الاقتصادية العالمية، عينت ألمانيا كارل جوتنبرج البالغ من العمر 37 عاماً وزيراً للاقتصاد ليتلمس لها حلولا مبتكرة.. بريطانيا، الموسومة بتشبثها بالنظم التقليدية، منحت ديفيد ميليباند (40 عاما) حقيبة وزارة الخارجية بعد أن شغل منصب وزير الشئون المحلية وعمره لم يتجاوز بعد الـ 35 عاماً.. جورج اوزبورن وزير الخزانة عمره 38 عاماً ما يجعله أصغر سياسي يتبوأ مثل هذا المنصب الحساس.. بل إن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون نفسه عمره (43 عاما) ومع ذلك حاز ثقة الشعب والقادة في بريطانيا.. 

وليست المؤسسات والوزارات الحكومية وحدها من تراهن على نبوغ الشباب فالمؤسسات المالية والاستثمارية كانت أول من نهل من معين فورة الدماء الجديدة وحماسها الدافق. فمجموعة سيتي بانك (Citigruop) المصرفية العريقة عينت خريجاً من معهد الهند التقني مديرا عاما.. وفوجئ قطاع النقل الجوي العالمي بتعيين خريج رئيسا لخطوط US Airway للطيران.. وتستعين أكبر شركات العالم بشباب على رأس هرمها لتتحصن بهم في حرب المنافسة العالمية الشرسة. 
ليست الدول العظمى وحدها من يلوذ بالشباب اليوم في عالم متسارع الخطى، فها هي الكونغو الديمقراطية تنتخب جوزيف كابيلا لتولى رئاسة الدولة وعمره 30 سنة. وقد أصبح روزفلت سيكريت رئيساً للوزراء في الدومينيكان وعمره 32 عاماً!! ميخائيل نيكوليزيس انتخب رئيسا لجورجيا وهو في السادسة والثلاثين ومقدونيا منحت رئاسة الوزراء لنيكولا جرونيسكى وهو فى الـ36 من عمره بعد فوز حزبه الساحق في الانتخابات. 
فكم وزيراً وقيادياً سياسيا لدينا في الوطن العربي في العقد الثالث – أو حتى الرابع- من عمره؟! وكم من هؤلاء على هرم مؤسسات مالية – باستثناء من ورثوا المناصب في شركاتهم العائلية بالطبع؟! ولو كان من أسلفنا ذكرهم – والآلاف من أمثالهم بالطبع- عرباً؛ فماذا سيكون مصيرهم يا ترى؟!
إن الطاقات والمواهب التي لدينا عليها أن تنتظر 30 عاماً أو يزيد ليتم الاعتراف بها وتمكينها من مواقع القيادة والقرار وحتى يأتي ذلك اليوم، وتتوافر الخبرة التراكمية التي لا يقنع ذوو القرار بما هو دونها، تكون شمعة الموهبة والطاقة انطفأت أو خبت وتكون قدرات المرء قد هرمت وشاخت؛ فيفقد الإنسان الطاقة/ الرغبة في مشاغبة النظام والوضع القائم فيستسلم لذات المفردات والأوضاع التي كان يرفضها يوماً ويحارب – هو نفسه- التجديد الذي كان يدعو له ويتحين له الفرصة قبلاً!!.
إن المعادلة الكونية الهرمية واضحة، وحدهم الموتورون من يتجاهلونها أو ينقضونها، كل ما في الحياة ينمو في خط تصاعدي بداية.. فتوهج ونضج في القمة يبدأ بعدها المرء رحلة الانتكاسة والذبول التي تطال صحته وقدراته وقواه.. يسري ذلك على النبات والحيوان وبني البشر شاء من شاء وأبى من أبى..هو منحنىً طبيعي يجب أن يُحترم.. 
إن الخوف من الدماء الجديدة هو إرث بدائي متصحر حان الوقت للتمرد عليه. وحتى يدرك المجتمع شرعية وحتمية تمكين الشباب؛ فسيبقى الوضع راكداً متخشباً كما هو؛ وعلى المتضرر اللجوء للقضاء!!.