:للفكر

لا حسدَ.. ولكني شعرت بقرص الغيرة وأنا أرى العمانيين – الذين تحتضن رقعتهم الجغرافية أكبر تنوع عرقي ومذهبي في المنطقة – يعيشون في وئام من دون أن تفقع الطائفية مُقَلهم أو يسلخ سياط التوترات والانقسامات جلودهم كل يوم!.. لم أحسدهم أقول. ولكن هالني أمرهم: فعرقياً هناك البلوش والعرب والزنجبارية والبدو والحضر وأقليات أخرى، ومذهبياً هناك طرائق عدة ومذاهب 3 منها ذات حضور طاغ: السنية والجعفرية، إضافة إلى الأباظية التي ينتمي إليها مفتي السلطنة الشيخ أحمد الخليلي. ورغم ذلك لا ترى للشقاق بينهم موطأً، ويترفع الناس – حتى في أحاديثهم المغلقة – عن تكفير وتحقير سواهم.

بالطبع، بطل العجب لما سمعنا السبب.. فالسلطنة ارتأت أن خير حماية من ويلات وباء الطائفية – الذي ما اعتلى جسد دولة إلا وأرداه – هو العدل؛ والتعامل «بصرامة» مع كل ما يشعل الطائفية.. يكفيكم أن تعلموا هنا أن الطالب في الجامعة يوق�’ع – في يومه الأول – على ورقة صفراء يقر فيها بالتزامه بعدم إثارة أي نعرة قبلية أو طائفية أو الإساءة للمذاهب والأديان والعرقيات، وإلا تعرض إلى الطرد فوراً.. وبمحاربة التمييز بين المواطنين وإعلاء قيم المواطنة وضرب رؤوس الفتنة، تعايشت عُمان مع واقعها بلا خوف من ظل الاختلاف ولا ضَلاله.

لا أعرف إن�’ كان الوقت قد فات لنتبنى سياسات كهذه، ولكني أعرف أن زراعة العشب تتطلب وقتاً وجهداً، ولكن شب النار فيه يتطلب عود ثقاب.. وأعرف أن رسم لوحة هادئة متناغمة شاق ولكن كسرها «ولا أسهل»!
أخيراً فقط، تهجم الداعية محمد العريفي على 300 مليون شيعي واصفاً إياهم بـ «عب�’اد القبور» وأبطل مذهبهم وسق�’طه بشكل لا نقبله حتى على أهل الكتاب.. وقذف مرجعاً إسلامياً له ملايين المريدين، وسياسياً لعب دوراً بارزاً في حقن الدماء في العراق بعبارات لا تقبل من مسلم على أي مسلم، فما بالكم بعالم له مكانته.. وقد فتح العريفي بهرجه جرحاً لم يندمل بعد من تصريحات الكلباني والقرضاوي اللذين أساءا لمذهب هو ثاني أكبر المذاهب الإسلامية عدداً.

هؤلاء لا يمثلون السن�’ة، وأزعم أنهم لا يمثلون سياسات دولهم المتسمة بالرصانة.. ولكنهم مع ذلك فتحوا جبهةً لا خلاق لنا بها.. واعذروا برغماتية السؤال وليجبني أحد..
ماذا يجني هؤلاء من الإفصاح عن آرائهم المتطرفة تلك؟ وماذا خسر المرجع السيستاني الذي انتفضت البرلمانات لتأييده والذود عنه؟ وماذا كسب العريفي سوى الذم والقضايا التي حُر�’كت ضده في أكثر من عاصمة أوروبية؟ وأساساً، ما الذي يدفع داعية يُفترض أن يكون دوره الدعوة إلى قيم ومبادئ الإسلام، إلى جرح واستفزاز شريحة تمثل 15% من شعب السعودية؟
ما مصلحته، وأمثاله، أن يلقي بقنبلة كهذه والسعودية تسعى إلى صيانة الوحدة الوطنية وخلق جبهة متحدة ضد المتربصين بأمنها؟!
هل يعتقد العريفي، وأمثاله في البحرين والمنطقة، أن المذهب سيُقو�’ض لو كفروا أتباعه وسق�’طوهم! وهل يعتقدون أن يوماً سيأتي وسيكون الناس أمة واحدة وقد أراد لهم الله أن يكونوا أمماً وطرائق مختلفة؟!

إن أمثال هؤلاء هم العدو الحقيقي للمجتمعات الإسلامية.. هؤلاء من يحدثون في السفينة خرقاً ويشب�’ون في العشب الطري النار.. هؤلاء من يريدون لخلافاتنا وتبايناتنا أن تصل بنا إلى طريق اللاعودة.. وهم من يبث�’ون الكراهية ويفر�’خون الإرهاب ويفتعلون الخلاف ويعرقلون خطى التنمية.

نعم، حان الوقت لنعي من هم الأعداء الحقيقيون لمجتمعاتنا الآمنة.. نعي، مَن أج�’ج العصبية والهمجية والطائفية المسعورة في مجتمعاتنا، ومَن الذي يقودنا بخطى ثابتة.. إلى التهلكة.