:للفكر

سألني ما سر بغضك لعلماء الدين؟! لقد تابعتك طويلا منذ أن بدأت الكتابة في 2005 ووقفت على هذه الحقيقة. ولمَ تصرين على استخدام كلمة رجال الدين رغم أن العلماء يرفضونه مطلقاً..!! ألا تخشين على جماهيريتك من موقفك المجحف ذاك؛ قال مردفاً، ولمَ تعلنين عنه أصلاً رغم يقينك أنه الموضوع – الوحيد ربما- الذي لطالما جرَ�’ عليك نقدا وتجريحا كثيرا؟ 

سؤال القارئ أعلاه واجهته مراراً.. وأواجه دوماً.. والحق أني لا أبغض رجال الدين كما يشاع بل على العكس؛ أوقر كل المتدينين؛ ومن كل مذهب ودين، وأستشعر في حضورهم هيبةً وراحة ووقارا.. ولكني لا أستطيع أن أطلق لفظة ”علماء” على عواهنها؛ وأرفض التغاضي عن التشابه الفكري والتاريخي بين مسلك رجال الدين ”المسلمين” وأقرانهم من الكهنة والقساوسة.. وما استماتة هؤلاء لرفض مسمى ”رجل الدين” إلا محاولة لفك الربط والتشبيه بين الدور التاريخي والمدني الذي يلعبه رجال الدين المسلمين اليوم والذي يشبه – أشد ما يشبه- دور القساوسة في أشد حقب الكنيسة سواداً..!!

الحقبة التي كانت حفنة من رجال الدين فيها تتحكم، لا في العامة فحسب، بل في الملوك أيضاً.. رسخ خلالها هؤلاء فكرة مفادها أن الكنيسة لا تخطىء.. وتلاعبوا وزوَ�’روا التاريخ بما وجدوه – في قاموسهم- خدمةً لعقيدة الناس.. آلاف السنين مرت والكنيسة جاثمة على مفارق الحياة تدجن فكر الأجيال وتربيها على التبعية والانصياع لرؤية القساوسة.. بفضلهم؛ تشنجت مفاصل الحياة؛ وانقسم الناس أشياعاً؛ ونُبِذ المخالفون وأحرقت كتبهم وعذبوا حتى الموت.. بمباركتهم؛ اندلعت حروب وسحقت مدن.. مكن�’هم من كل هذا أنهم احتكروا تعليم الدين وتفسير الإنجيل وأقنعوا الناس أن طاعتهم – القساوسة نعني- هي وسيلتهم الأكيدة للنجاة..لذا وجدوا أنفسهم في مأزق عندما اخترعت المطبعة في فرنسا وطبع الإنجيل وأكتشف الناس أنهم قادرون على قراءته وتفسيره بمعزل عنهم.. فما كان منهم إلا أن منعوا طباعة الإنجيل ”بفتوى” ليكون أول كتاب منع من النشر في التاريخ.. وهالة القدسية التي أحاطوا أنفسهم بها كانت وسيلتهم لذلك كله.. ولم تقم لأوروبا قائمة إلا عندما تحررت من قيودهم ومن استثمارهم للدين لخدمة ”رؤى خاصة” تارة.. و”مصالح سياسية” أخرى.. 

بالله عليكم.. تحرروا لثوانٍ من القالب الفكري الذي حُصرنا فيه منذ الميلاد وأجيبوا: إلا ترون التشابه في ”سياسة” رجال دينهم ورجال ديننا..؟! من إقحام للدين في السياسة.. واستغلال للقدسية في فرض الرأي.. ومن نفي للعقول تحت شعار احتكار فهم الدين!! ما الفرق – الجوهري- بين عمامة الرهبان والقساوسة.. والعمامة السنية والشيعية.. ومن أين جاءت تلك العمائم التي لا أصل لشرعيتها لا في كتاب ولا دين ولا سنة..!!

مؤخراً فقط، أصدر الأزهر – أعلى سلطة دينية في العالم- فتوى لدعم حق مصر في بناء جدار فولاذي يفصلها عن غزة.. وهو القرار الذي سيسد كل المنافذ لغزة وسيؤدي للإمعان في حصار وتجويع وإذلال الشعب المحاصر.. وأمام غضبة الناس والاحتجاجات القومية؛ أصدر الأزهر – أعلى سلطة دينية في الوقت الحاضر- فتوى تمنح السلطة ”غطاءً شرعياً” تقول إن بناء الحاجز وخنق الفلسطينيين في جلودهم حلال شرعاً” بل واستلت السلطة من مجمع البحوث الإسلامية فتوى تعتبر معارضة الجدار، معارضته فقط، مخالفةً لما أمر به الشرع المقدس!! وما الفتاوى التي صدرت لتشريع القمع الدموي للخارجين على طاعة المرشد الآن في إيران.. عن ذلك ببعيد..!! 

أعود وأقول؛ لا أكره رجال الدين وأحب بعضهم كسياسيين أيضاً.. ولكني أراهم شريحة من المجتمع الإسلامي لها وعليها.. وعليها أكثر لأن السلطة أطغتهم.. فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ولهذا فسد كثير من رجال الدين وصاروا رجال دنيا وسلاطين.. وعليه فاعذروني إن رفضت إطلاق كلمة ”علماء” عليهم.. فهم رجال دين إجمالا: قلة منهم علماء وبعضهم مجتهدون ومنهم منافقون وفي النهاية هم بشر.. لهم تقديرات وحسابات شخصية تصيب وتخطىء..