:للفكر
من المقاطع التي لاقت رواجا كبيرا عبر اليوتيوب – شاهدها بعضكم بالطبع – هو مقطع عنون بعنوان ” في الهند: مظاهرة لحرق الحجاب فحرقهم الله” يعرض المقطع صورة لناشطات في الهند يحرقن شالهن ولسبب ما يشتعل الحريق بسرعة خارقة فيحرق أجسادهن في مشهد بشع تزيده صرخات الألم ، وتعابير أجسادهن ، ترويعا ..
بالطبع.. ولأن العرب تحولوا لمدافع متوثبةً للسب والشتيمة ؛ سارع المعلقون بالدعوة عليهن بجحيم مقيم في الآخرة أيضا.. وتعالت عبارات التشفي المر�’ والتهكم المنفر .. بالنسبة لي : كان أول ما فكرت فيه عند رؤية المقطع أن اللواتي ظهرن في الصورة ليسوا مسلمات كما يبدو بل يبدو من هيئتهن العامة أنهن من الهندوس !
ولم يبد لي منطقيا أن يقمن بالإحتجاج على الحجاب بحرقة في مكان مثل هذا وأمام جمع كهذا.. ولسبب جلي : لم يبدو لي منطقيا أن يحرق الله ” محتجات على الحجاب” ! الحجاب فريضة – لا شك- ولكن الله لم يفرض على تاركته عقوبة دنيوية ؛ ناهيك عن أن من أهانوا وحاربوا الحجاب – بشكل صارخ – لم ” يصقعهم” العذاب الفوري فلم طال هؤلاء دون عن سواهن !!
أوكلت لصديقة تجيد لغة أهل الهند أن تأتيني بالحقيقة ليتضح أن من ظهرن في المقطع مدرسات هندوسيات يافعات.. أحرقن الشال إحتجاجا على ظروف التعليم السيئة التي تدرس فيها الصغيرات في قريتهن ، ولأنهن لم يقدرن سرعة إحتراق القماش؛ وتصرفوا بخف�’ة مع النار التي التي لا تجادل ولا تهادن ، إمتد الحريق ليلتهم أجسادهن ونسأل الله لهم لهم الرحمة..
****
أسوق لكم هذا المثال لتعرفوا أن أشد المواقف براءة ونبلا ، قد تشوه بفعل عنوان واحد مغرض، وأن الناس قد تتخذ مواقف بناء على تأويلات لا دليل لها ولا برهان !!
وسائل التواصل الإجتماعي دخلت حياتنا لتثيريها ولتفك قيد حرية الإعلام وبث الأخبار والصور والمعلومات ولكن.. بين دسم تلك الصور والمقاطع والأخبار هناك س�’م كثير..
في جنوب السودان تم بث صوراً لحرق سحرة في راوندا ” مع الزعم أنها صور قتل أهالي على يد منشقين” وأثارت تلك الصور الرعب ولأنها كانت بالطبع ممحية المعالم لم يسهل تأكيد الخبر أو الطعن فيه ..!
****
كنا ونحن صغارا نسمع ” لا تصدق كل ما تسمع ولا تصدق نصف ما ترى ”
ربما لم نكن وقتها نعيش زمن الجدل الإعلامي ، والتخرصات التي تطوقنا من كل صوب وحدب، وما أحوجنا اليوم لتفعيل الحكمة أعلاه.. أن نستخدم كل حواسنا ومنطقنا لنغربل ما نسمعه ونراه ..
يقال في الإعلام أن الصور لا تكذب ولكن الحقيقة أن الصور.. لا تنطق بكل الحقيقة ..
فباعة الوهم يتكاثرون .. وممتطي الإشاعات ومثيريها لا يعدون.. وأصحاب الأجندات الخفية صاروا يزدادون خبثا ومكرا..
وما أسهل تحريف الحقيقة في زمن الفضاء المفتوح ..