:للفكر

يقال أن تاجراً زار بلاد الهند والسند وشاهد طير النعام لأول مرة ولم يكن قد رأى مثله في حياته.. فلما عاد لبلده ر�’ان لصحبة يروي لهم حكاياته ومن ضمن ما سرده لهم أنه رأى هذا الطائر الضخم الذي يمشي على حافرين وأن لديه أجنحة طو�’ال ولكنه لا يطير، وبأنه رأى بعينية أن هذا الطائر يأكل الحصى والحجاره ” بالمناسبة عندما سمعت القصة قبل سنوات استغربت من تلك الجزئية حتى علمت أن النعام – بالفعل – يلقم الحصى لأنه بلا أسنان وبالتالي فإن الحصى يكون لها عوناً على الهضم ” .. عموماً : أصبح هذا التاجر محط سخرية من حوله.. فقصد مجلس حكيم المدينة ولكن ذلك لم يخدمه فقد ألتزم الحكيم الصمت بينما أطنب زوار مجلسه في التندر عليه وعلى روايته فما كان منه إلا أن تعهد أن يثبت لهم أنه على حق..
****

حزم التاجر أمتعته ليسافر ويأتي بالنعام ليراه أهل المدينة ولم يستطع أحد ثنيه عن قراره .. أشهر مرت حتى وصل لبلاد السند وأنفق مالاً طائلا في شراء 9 نعامات والإعداد لحملهن معه في هذه الرحلة الشاقة .. 
خلال الرحلة المضنية ماتت النعامات واحدة تلو الأخرى، تارة بسبب صعوبة المناخ وأخرى بسبب المرض، ولكنه نجح في الإحتفاظ بنعامة واحدة وصل بها لبلاده ودخل بها المدينة مختالاً فرحاً وأخذها لمجلس الحكيم حيث نظر الجميع مشدوها لهذا الطائر الجميل وهو يلقم الحصى ويركض سريعا لعجزه عن الطيران .. ولكن هذه الدهشه أستغرقت دقائق أنتقل بعضها الجلاس لحديث آخر .. 
****

نظر الحكيم للتاجر وقال: لقد خسرت الكثير لتثبت أنك على حق فماذا أستفدت الآن ؟
رددت إعتباري – قال التاجر بإعتزاز – فهمس له الحكيم ” كان من الأولى بك أن لا تقول لهم ما سيعجزون عن فهمه وتقبل إنكار من أنكروا كلامك عوضاً عن بذل كل هذا المال .. وكل هذا الجهد لتقنعهم !
****

في قصة كهذه عبره كبيرة لمن يتعاطون في الشان العام.. وأولئك الذين يتشربون خبرات جديدة من خلال مخالطتهم لثقافات أخرى ويتوقعون أن يتقبلها المجتمع أو يحتفي بها ولكنهم ينصدمون بواقع السخرية منهم أو إزدارئهم وكثير منهم ينطوي على ذاته أو يهاجر من حيث أتى هرباً من قسوة المجتمعات النمطية التي ننتمي لها !
واقعاً : كل المجتمعات تحارب الأفكار الجديدة .. عندما قال أحد العلماء أن الأرض كروية وليست مسطحة أتهم بالهرطقة وه�’م قومه أن يحرقوه ! ناهيك عن الأخوين رايت الذي عوملوا كمجانين لأنه أعتقدوا بقدرة الإنسان على الطيران عبر مركبه وأبن رشد وغيرهم الذين أحرقت كتبهم !!
تغيير الأفكار والمعتقدات مهمة صعبة .. ولكنها ليست مستحيلة أبدا.. وعلى المتحدث واجب أن لا يقدم لبيئته أفكاراً شديدة البعد عن واقعهم وأن يعي أن مجتمعاتنا – في مفارقة إن ربطناها بالقصه – مجتمعات نعام بذاتها إذ تفضل دفن رأسها وإنكار الحقائق على مواجهة مد التغيير وهو ما يُلزمنا بالتدرج في حقنهم بالمعتقدات الجديدة عوضاً عن صدمهم وتنفيرهم منها..
أما الأهم من هذا وذاك .. أن يعي المرء أن سخرية الآخرين منهم وتقزيمهم لأفكاره لا تعني ابدا أنه على خطأ بقدر ما قد تكون مؤشرا بأنه متقدم بأشواط على من حوله ..

***