:للفكر يُروى أن خياطاً ماكراً قرر أن يُودع البؤس والفاقة فقصد السلطان ورغبهُ في لبس ثوب سحري – سيحيكه لأجله خصيصاً- ولا يتمكن من رؤيته إلا الأذكياء.. راقت الفكرة الغريبة للسلطان ودفع للخياط بالمال وأخبر رهطه بأنه سيتمكن –أخيراً- من غربلة مستشاريه ووزراءه بعد أن يم�’يز الذكي من سواه.. أشهرٌ من الانتظار جاء بعدها الحائك للسلطان بيديه الفارغتين وسأله عن رأيه في ثوبه الجديد.. ألتاع السلطان في البدء لعجزه عن رؤية الثوب ولكنه لم يجاهر بل أخذ يطنب في مدح الثوب وأمر للخياط ، في مبالغةً هدفها درء تهمة الغباء، بأموال إضافية. وفعل ووزراءه وأعوانه الأمر ذاته: تغزلوا بالثوب الذي لايرونه كاظمين حسرتهم على غباءهم.. بل أن أحد المنافقين أقترح بأن يرتدي السلطان ” ثوبه الأخاذ” في العيد ولم يملك السلطان إلا التثنية على اقتراحه.. وفي عشية العيد لما ظهر السلطان على ضيوفه عارياً شكك كل منهم في ذكاءه حتى صرخ صبي بين الجموع ” سلطاننا عاريً” فطفق الجميع يضحك وكشف أمر الثوب الخيالي ..للقصة عبر عدة يعنينا منها هنا تطبيقها على إنتاج بعض مثقفينا وشعراءنا ورسامينا العرب.. فبعضُ هؤلاء يعيشون على أمجاد مُوليةً ويقدمون ما لا يُقبل من أديب غر�’ مبتدأ.. ومع ذلك يُسبل لهم الثناء وكأنهم جاءوا بالحكمة من ذيلها.. بعضهم يرسم ” شخابيط” حرفياً. ” شخابيط” لا تختلف عن ما يمكن أن يرسمه طفل في الخامسة ويكال لهم المدح وكأنهم ورثة دافينشي..!! يصدر أحدهم كتاباً مفككاً، حائر العبارة مذبذب الوجهة مضطرب الهدف؛ فيطفق البعض في شكره فيخجل من يرون سطحيته عن معاكستهم خشية أن يوصموا بالجهل والغباء !!قطع كبير من الظاهرة وليد تشابك علاقات المثقفين. قد يبغض بعضهم بعضاً ،نعم، ولكنهم يتكتلون سوياً ويذوذون عن أنتاج بعضهم الهزيل ويواجهون – بشراسة وتعجرف- منتقديهم لحاجتهم لهذا التواطؤ مستقبلاً.. تراهم يسلون خواطرهم كلما اجتمعوا بقذف الجماهير التي تتجاهلهم وتسفههم بالضحالة تارة وبالجهل أخرى. ويغطي هؤلاء فشلهم، ويبررون نجاح سواهم، بملاءة من الحجج التي – تفترض- بأنهم متقدمون عن عصرهم. وأن نخبوية أطروحاتهم ورسوماتهم وأشعارهم تجعلها عصيةً على رجل الشارع العادي..! والحقيقة أن المعادلة في مجتمعاتنا قد أختلفت ولم يعد بالإمكان تشطير المجتمع لمثقفين نخبويين وعوام جهله.. فبفضل توافر وسائل المعرفة؛ بتنا نتلمس أتساع الرؤية والإطلاع عند بعض أصحاب المهن الهامشية بل ونلمس تفوقهم أحياناً على بعض المدعين من خريجي الجامعات. وعلى كلٌ فالانفضاض عن الإنتاج الثقافي لهؤلاء أمرٌ شائع.. فلا المعلمين والأطباء في مجملهم يقدرون إنتاجهم المتفذلك. ولا يمتن رجل الشارع الواعي لما يقدمون.! فشل هؤلاء المثقفين/ المتثاقفين في الظفر بقبول جماهيري – ناهيك عن الجماهيرية- وليد أمرين لا يتحمل وزرهما الجماهير:أولهما عدم انسجام خطابهم العنجهي المتعالي مع روح العصر وذائقته.. فالأسلوب اللزج الثقيل المعقد لا يستميل في عصرنا هذا أحداً. أما السبب الأهم فهو حقيقة أن قطاعاً عريضاُ من مثقفينا قد تبرئ من مسؤولياته الاجتماعية والوطنية.. ففي الغرب يؤمن المثقف بأنه قائد، ويرى إهماله للمظلومين خسةٌ لا تغتفر.. أما في بلادنا فيصع�’ر هؤلاء الخد لأصحاب القوى ويتشاغلون عن هموم الناس بالهرطقات والسفطسه لئلا يتواجهوا مع أحد.. وكما يغطي الطرف الخاسر هزيمته بالضجيج يفعل هؤلاء.. يلومون الناس على الانفضاض عنهم بتصغيرهم رغم أنهم من أداروا ظهورهم عنهم أولاً..ربما كان في ما نقول شيء من القسوة.. ربما ولكن أحد ما يجب أن ينبههم لحقيقة ” ثوبهم الساحر” دون أن يخشى أن يوصم بالغباء.