:للفكر
بالأمس شرَع�’نا في الحديث عن قضيتين يجمعهما المنبت وتفرقهما التفاصيل؛ قضيتان تعكسان صورة ميلودرامية عن الحال التي وصلت إليها البحرين، حيث الطائفية وصلت لرموش العين؛ فصارت الرؤية ضبابية وغابت العدالة في قراءة المشهد..
قضية الأمس دارت حول مواطن رفع علماً حسينيا على سطح منزله مستفزاً جيرانه لا لسبب سوى ليقول ها أنذا؛ فتصعَ�’د الموقف وتصرف البعض وكأنَ�’ هوية البسيتين السنية ستسلخ بهذا العلم..!! بدوره كابر المواطن رافضاً نزع العلم لمَ�’ا طالبه الجيران بذلك؛ وكانت النتيجة تعرُ�’ض ممتلكاته للتخريب المتعمَ�’د وسريان دعوة لطرده من المنطقة من قبل بعض المشددين..!!
القضية الثانية هي قضية فتاة عشرينية من عائلة جعفرية المذهب تعلق قلبها بشاب من المذهب السني ورفض والدها تزويجهما على مدى 5 سنوات تقدم خلالها الشاب لأكثر من 20 مرة؛ ما حدا بالشابين المتحابين إلى الارتباط دون رضا والدها المتزمِ�’ت الذي لم تُطفأ ناره بطردها من المنزل؛ وحرمانها من الميراث وإجبار أسرتها على مقاطعتها؛ بل وتهديد والدتها بالطلاق إن خاطبتها؛ لم يشفِ كل ذلك غِله -نقول- لذا لجأ للقضاء طالباً تفريقهما واستجابت له المحكمة (!!!) وقضت بتفريقهما مؤقتاً مع إلزام والدها بتزويجها له مجدداً خلال شهر – وإلا- فسيصبح القاضي وليَ�’ها ويزوجها، سيما أن المحكمة اطمأنت لتكافئهما وعدم وجود عائق – إلا المذهب- الذي ما من محاذير شرعية تمنع الزواج لاختلافه..
مر�’ الشهر والوالد يرفض تزويجها؛ ويشترط لذلك أن تبيت الابنة – ولو لليلة واحدة- في منزله.. وسربت فتيات العائلة أنباءً تفيد بأن الأب الموتور يُلِح�’ على ذلك متوعداً بتشويه البنت العاصية وإجهاضها ما أن تقع بين يديه ليجعلها عبرة لمن لا يعتبر من فتيات العائلة.. والفتاة اليوم في رعب مزدوَج، من والدها الذي أعماه الكبر والتعصب؛ ورعب من خسارة زوجها الذي يساوي الدنيا بأكملها في عينيها، سيما بعد أن حنثت المحكمة بوعدها في إعادته لها وإن لم يرضَ الأب.. والقضية مازالت عالقةً تنتظر عدالة الأرض والسماء..!
بالأمس قلنا إن قضية البسيتين أكبر من قضية علم يرفرف على سطح منزل إسكان.. واليوم نقول إن القضية أكبر من محبين لا ترضى العشيرة عن ارتباطهما.. القضية قضيةُ مجتمع فقد رشده – حرفيا- فتحلل من روح الدين وقيد المنطق وصار يترنَ�’ح مخموراً بنبيذ العصبية الجاهلية المعتق!!
في الشقيقة مصر هناك مثل شعبي يقول ”حبيبك يبلعلك الزلط؛ وعدوك يوقفلك على الغلط” في إشارة لأن موقفك من الفاعل- لا أفعل ذاته- هو ما يحدد ردَ�’ات الفعل.. اليوم؛ مجتمعنا مشحون، محتقنٌ متقيِ�’حٌ وليس بحاجة لأكثر من شكة دبوس ليسيل قيحه..!!
في علم السياسة علمونا أن لكل فرد هويتين: هويته الأولى ”الوطنية”؛ وهويته الثانية ”العرقية والإثينية والمذهبية” ويحدق الخطر بالمجتمعات ما إن تحل الهوية الثانية مكان الأولى.. حينها؛ يغدو المجتمع معوقاً بنفسه؛ وعرضة لتفجر الصراع ولو من أجل.. قطعة قماش..
الكل مذنب والكل ضحية.. والبحرين هي الضحية الأكبر؛ البلد الهانئ المتعايش الذي فقد ظله؛ ولم تترك رؤوس الفتنة فيه موطئا إلا واخترقوه وسمموا ماءه الجاري..
ولكن.. أتعلمون أمراً..
رغم قتامة المشهد ورداءة المخرج؛ مازال هناك مكان في الصدر مؤمن بأن مجتمعنا قادر على إقالة عثراته؛ وتصحيح مساره وتقويم اعوجاجه.. رغم كثافة الحجب؛ وأحابيل الشياطين.. والحملات المزيفة المفتعلة لتسميم المناخ.. مازالنا مؤمنين أن البحرينيين بطيبتهم وعمق إيمانهم قادرون على الخروج من هذا المنزلق – فقط- إن حسُنت النوايا واستشعر الناس خطر هذا الجنون المحدِق بسلمهم وضمائرهم.