:للفكر
عودتكم أن تكون استراحة الخميس حديث الحكمة والقلب والروح واستراحة اليوم ليست باستثناء ولكنها ستأتي بوحي من الأيام الحرم التي نعيشها الآن.. أبدأها بأسئلة لطالما شاغبتني وناكفت منطقي تمنيت أن أسمع أحداً يوماً يطرحها جهاراً:
هل كان للحسين (ع) أملٌ – حقاً- في النصر على يزيد ورهطه عندما خرج من مكة قاصداً الكوفة؟! كيف قيم آنذاك حظوظه في تلك المعركة؟ ألم يقرأ حقيقة أن معطيات الهزيمة كانت أعلى من مقومات النصر!! لماذا تجاهل نصائح محمد بن الحنفية، وابن عباس، وابن عمر وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبدالله وكثير من الصحابة والتابعين الذين نصحوه بعدم الخروج؟! لم يأخذ بقول عبدالله بن الزبير الذي قال له: يا أبا عبدالله بلغني أنك ستقصد العراق فلا تفعل، فإنهم قتلة أبيك، الطاعنين بطن أخيك، وإن أتيتهم قتلوك”!! ولم تجاهل قول الفرزدق عندما قال له ”قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية”؟!
عسكرياً كيف قاس التكافؤ العسكري في المعركة؟
وفقاً للمسعودي فإن صحب الحسين الذين رافقوه كانوا 45 فارسا ومئة راجل؛ وفي رواية الخوارزمي هم 82 رجلاً ومن الرواة من قلل العدد أو زاده ؛ ووفقا لرواية الدهني ”وهي أكثرهم مبالغة” فصحبه لم يعدوا الـ..500 ولو سلمنا – جدلاً- أن الـ15 ألف كوفي الذين قيل أنهم كاتبوا الحسين وبايعوه على نصرته صدقوا الوعد وحاربوا معه: أكانوا من القوة والعتاد بمكان يملكون معه الانتصار على جيش يزيد الباطش الذي تجمع أغلب الروايات على أنه فاق الـ 300 ألف بين راجل وراكب!!
وإن تغاضينا عن تأثير كل ذلك على قرار الحسين؛ فماذا عن قلب المؤمن الذي هو دليله كما يقول الشاعر:
قلوب العارفين لها عيونٌ……. ترى ما لا يُرَى للناظرينا
وأجنحةٌ تطير بغير ريشٍ……. إلى ملكوت ربِ�’ العالمينا
ألم يشي له قلبه – وهو الإمام- بأنه يمشى لنهايته ولفاجعة ستلحق به وبأهله؟!
كل المؤشرات التي يمكن أن تُقرأ تقول إن حظوظ الإمام في النصر كانت ضعيفة.. ومعارضته ليزيد بن معاوية ورفضه للبيعة كانت خطوة -بلغتنا اليوم- انتحارية.. فلمَ أصر الحسين على خوض حرب حُسمت سلفاً والمشي لمصير مظلم كهذا؟
سؤال رغم جرأته – ووقاحته ربما- لاشك وجيه !!
أعتقد أن الحسين كان يمشي لمصير يعرفه.. ولكنه لم يكن يملك خياراً آخر.. فالخنوع والاستسلام والمهادنة ليست خياراً للشرفاء والعظماء.. من جهةً: كان الإمام يعي أن يزيد بن معاوية لن يرتضي معارضة الحسين وسيحمله على البيعة بالقوة.. وعليه آثر الحسين ترك مكة لتجنب مجابهة الأمويين فيها لئلا تستحل حرمة الكعبة كما وشوش لابن عباس.. أما الأمر الأهم؛ فهو أن الحسين سبط نبي الله وأشبه الناس به لم يكن ليُنتخى فلا يستجيب وإن كان يعي في قرارة نفسه نفاق من انتخبوه.. لم يكن ليرى الفسق والحياد عن دين الله فيشيح بوجهه.. الحسين – في تقديري- كان يعي أن المعركة غير متكافئة عسكرياً وربما كان يستشعر النهاية الوحشية التي تنتظره ولكنه كان فدائياً حقيقياً؛ لا قيمة للحياة عندما توضع مع مبادئه على المحك..
لذا قال عندما عُرضت عليه البيعة للظلم (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد) وكان يعي حينها ثمن موقفه ذاك.. فلا عجب إذن أن تلك المعركة التي فشلت عسكريا منيت بنصر سياسي وفكري وروحاني عظيم.. وكانت – على مر التاريخ- ملهمة ثورات كثيرة شعارها الحرية ورفض الظلم..
___________
رحيق الكلام:
وحدهم العوام من البشر.. أولئك العابرون على صفحات التاريخ والحياة.. من يتحركون وفق حسابات تقيس الربح والخسارة وتدرس المكاسب والمضار.. أما ذوو المبادئ فلا يملكون هذه الرفاهية..
يسيرون على درب الحق والفضيلة وإن كان مؤداه الهاوية.. ويؤثرونه على درب التنازلات؛ وإن كان معبداً بالزهور..