للفكر :
نضال مانديلا وإيمانه بالأحلام ، وبغد أفضل لم يقتصر على حياته السياسية بل إمتد للعاطفية ، فمانديلا الذي لم يعرفه العالم هو مانديلا الذي رفض إلا أن يكون عاشقاً ، لهذا على الأرجح تزوج ثلاث مرات ، وعشق مرات ومرات ونال من الخيبات ما يكفيه لكنه صمد في حياته الشخصية تماما كما فعل في حياته السياسية.
في عمر مبكر إستأجر مانديلا غرفة في بيت أسرة من بلدة الكسندرا في إطار كفاحه للإنتقال للعاصمة وصدته إبنة الأسرة التي استأجر غرفة في منزلهم وأدمت قلبه الصغير فحمل جرحه معه لجوهانسبرغ وهناك ألتقى بالممرضة ايفلين ماس، فتنه جمالها وإيمانها الواسع بحزب المؤتمر الوطني الأفريقي فتزوجا في 1944 وأستقبلا طفلهما الأول بعدها بعامين ، ولأن النضال السياسي كان قد طغى على يومه سرعان ما توترت علاقتهما وأتخذت منحنى خطير عندما رجحت زوجته غيابه المستمر لإقامة علاقات عاطفية مع زميلاته في الحزب ، وهي ادعاءات دحضها لكن الفجوة نمت بينهما بسبب إهماله للمنزل وإتهامها الجارح له بالخيانة ..
****
كرهت زوجته الأولى السياسة ، وكرهت هوس زوجها بها فإنهار زواجهما عشية غادرت ايفلين البيت وإشتد صراعهما حول حضانة الأطفال ووصلت لإتهامه بضربها وهو ما نفاه مانديلا بيد أنه سرع من إنهيار زواجهما الذي استمر لـ12 عاما وأثمر بطفلين ..
بين صراعات الحزب الداخلية ، وبين الصراعات مع نظام الفصل العنصري ، وبين زواج إنتهى بمأساوية التقى مانديلا بالأخصائية الاجتماعية ويني ماديكيزيلا وتزوجا سريعا ، وسرعان ما انغمست زوجته الثانية – خلافا للأولى – معه في نشاط الحزب ، وعندما تعرض للإعتقال ، وزج في السجن لـ 27 عاما في زنزانه رطبة كان حب زوجته هو القبس الذي ينير له الليالي الطوال ، وأبهر العالم في اليوم الذي خرج فيه من السجن متأبطا يد زوجته التي كانت حب حياته لكن ..
لم يكد مانديلا يتنفس الحرية حتى تلقى صدمة كسرت ظهره ، قضية «دالي مبوفو» الذي كانت زوجته متورطة فيها ، وكان الحزب قد إتهمها أيضا بالاختلاس ، وقف مانديلا مكسور الخاطر مع زوجته ، وحصل على تمويل من الراحل معمر القذافي لتوكيل هيئة دفاع عنها ولكنها – رغم ذاك- أدينت وحكم عليها بالسجن لـ 6 سنوات خففت لاحقا لعامين ، وبعد عام إنفصلا فمانديلا الذي وهب حياته لمبادئه لم يستطع توسد وسادة تجاور زوجة تمثل كل ما حاربه من فساد ..
****
لم يكن قد بقى من العمر الكثير ، كان نيلسون قد وقف وحيدا على أعتاب الثمانين ، وكان لأي رجل مثخن بجراح زيجتين مؤلمتين أن يستسلم لكنه لم يفعل .. آمن بالتسامح والمحبة ولم يكن ليكفر بهما يوما ..
في فبراير 1998 صرح ” أحب سيدة رائعة” وفي يوم عيد ميلاده الـ80 اقام حفل زفافه ليكون قدوة للشباب ودعى له الجميع ليحتفل بالحب والحياة ، وكانت غراسا ماشيل ، أرملة الرئيس الموزمبيقي سامورا السيدة التي مات على يدها في 5 ديسمبر 2013..
مات سعيدا مبتسما فهو الذي آمن بالحرية في زمن العبودية..
وبالسلام في عهد الحروب..
وبطهر الحب في زمن الخبث..
نعم ..
لقد كان مانديلا قدوة في كل شيء.. لا في نضاله فحسب ..