للفكر :
لكن الإبن الباكستاني الذي حمل والده على ظهره للحج لأشهر لم يحتل في صحفهم سنتمتراً يتيماً. أخبار التفجير وقطع الرؤوس تملأ دقائق بثهم ليثبتوا لأنفسهم أي نوع من المجرمين الهمج نحن ، ولكن أخبار عشرات المبدعين لا تجد لديهم موطأ ، ما علينا .. دع الخلق للخالق لكن..
علي محمديان (45 عاما ) كسر القاعدة مؤخراً عندما أحتل مساحة وقورة في صحيفة ” الجارديان ” العريقة وهو مجرد مدرس ابتدائية بمدينة ماريفان الإيرانية التي يطغى عليها الأكراد .. أما لماذا تحول محمديان لبطل قومي في إيران ولأنموذج في ” الجارديان ” فتلك هي القصة ..
أصيب أحد تلامذته بالسرطان رغم حداثة سنه.. وسرعان ما تساقط شعره وغدا أصلعاً جراء العلاج ما أثار – بطبيعة الحال – أقرانه في المدرسة الذين اتخذوه مادة للتندر والسخرية .. انطوى التلميذ/ المريض على نفسه ولاحظ المدرس محمديان ذلك فحلق رأسه وعاد في اليوم التالي للمدرسة .. أصلعاً !
*****
على حائط صفحته بالفيس بوك وضع المدرس صورته وصورة التلميذ وذيل الصورة بالقول :
” لم نعد نحب الشعر، هكذا نبدو أجمل “..
من يومها توقفت المضايقات، وروى التلامذة لأولياء أمورهم ما فعله المدرس.. وكبادرة من أحد الآباء أقنع أبنه بأن يحلق شعره أيضا تضامنا مع التلميذ المريض فتحمس الإبن لحبه للمدرس علي ، وما أن رآه باقي الزملاء في الصف حتى ألحوا على أولياء أمورهم ليفعلوا المثل ويوما بعد آخر .. زاد عدد “الصلع” في الفصل.. ولم يعد التلميذ المريض يشعر بأنه غريب أو شاذ ..
بعدها .. بدأ المدرسون بحلاقة شعرهم أيضا تضامنا مع التلميذ .. الذي تحول بين يوم وليلة من منبوذ يستهزأ به التلامذة ويتجنبونه خوفا من أن ” يعديهم بمرضه ” إلى محور لإهتمام ورعاية الجميع .. بما فيهم الصحافة المحلية التي نشرت قصته بإعجاب .. وعرضت الحكومة على الأسرة تحمل التكاليف المادية لعلاج الطفل ، وقيل أن الرئيس الإيراني نفسه حسن روحاني إمتدح المدرس وإنسانيته ..
وربما كان هذا التقدير الرفيع هو ما جعله يفترش ” الجارديان ” بعدها بأسابيع .. مقدما نموذجا ..
نسوق لكم هذه القصة الجميلة لنقول :
أن الطيبة والمحبة تأتي بالعدوى أيضا ، وتنتشر بتلامس الأرواح وتلاقح المبادرات ، تماما كما تنتقل الكراهية والعدائية والطائفية بالعدوى والتحريض السلبي بالمناسبة .. فكل أفعالنا ذبذبات تؤثر على الآخرين وعلينا أيضا.. في أحد أفلام هوليود العجيبة تخرج أم غاضبة من زوجها ، فتستفز في الطريق ممرضة تذهب للمستشفى لتسيء معاملة مريض يذهب غاضبا للفصل ويمعن في عقاب طالب يعود للبيت مغتاضا ليتصرف بعناد مع والده الذي هو في الأساس زوج السيدة التي أطلقت دائرة الغضب هذه !
هكذا هو الكون .. بحر لا يضيع فيه شيء فأنتبه لما ترميه فيه من حجارة أو ورود ..