للفكر :

تصور يا سيدي القارئ نفسك في مكة إبان الدعوة الإسلامية، وأنت ترى رجلاً مستضعفاً يؤذيه الناس بالحجارة ويسخرون منه، ويقولون عنه إنه مجنون. وتصور نفسك أيضاً قد نشأت في مكة مؤمناً بما آمن به آباؤك من قدسية الأوثان، تتمسح بها تبركاً وتطلب منها العون والخير. ثم تجد ذلك الرجل المستضعف يأتي فيسب الأوثان التي تتبرك بها فيكرهه الناس وينسبون إليه كل منقصة ورذيلة. فماذا تفعل؟
أرجو أن تتروى طويلاً قبل أن تجيب عن هذا السؤال”

إنتهى الإقتباس

*****

لذلك على الأرجح نحمد الله قياما وقعودا على نعمة الإسلام ، فنحن شعوب متعصبة بطبعها وتكوينها البدائي، وربما تحرج المفكر الوردي من القول : بأن اغلبنا سيكون من طراز أبي جهل وأبي سفيان ولهب ، أو سيكونوا داعمين لموقفهم على أقل تقدير .
هي حقيقة هي لا لبس فيها :
قضى رسولنا العظيم صلي الله عليه وآله ، ثلاثة عشرة سنة كاملة ، كاملة ، في مكة يدعو للإسلام ، كان بينهم ووسطهم ولم يجد منهم إلا الأذى والإنكار والمقاطعة والمحاربة له ولأصحابه ، والمفارقة هنا أن هؤلاء – رغم استصغارهم وتقزيمهم للدين الجديد وأتباعه – لم يجدوا في أنفسهم مساحة / فسحة لتجاهل هذا الدين ، وترك هؤلاء القوم يمارسون حريتهم الدينية أنى شاءوا – وتماما كما نرى اليوم – تقبل هؤلاء دين اليهود والنصارى ولم يتقبلوا المسلمين الذين يشتركون معهم – على أقل تقدير – في البيئة والقبيلة ، لذا وصل بهم التعصب لمحاولة تجويعهم وطردهم من المدينة كحال أغلب الأقوام مع كل من يتطهرون ..
****
دار الزمن بنا .. ثم دار ودار .. وطفحت للسطح ذات النوعيات وذات العقول الجاهلية ، التي تتحدى كل فكر وخطاب لا يتساوق مع وجدوا عليه آباؤهم الأوليين ، لا على صعيد طائفي فحسب ، بل وحتى ضمن الطائفة نفسها ، فمنسوب التسامح في الاختلاف في أقل مستوياته ، وبتنا نسمع اليوم عن سحل كل مختلف أو طرده من وظيفته كما حدث مؤخرا في مصر ، ويبقى أن نقول هنا :
أن الإنسان مُطالب – على الأقل – بالإعتراف بقصوره عن التحرر من قالبه الفكري وموروثاته ، وعليه – أقلها – أن لا يرفض الناس ويحاول توجيه دفة قناعاتهم ، بل وأسوء من ذلك ، يحاول تسقيطهم وإلغائهم ..
وكما بدأناها بالوردي نختمها بمقولته الشهيرة :
كلما ازداد الإنسان غباوة .. ازداد يقيناً بأنه أفقه من غيره في كل شيء”

ودمتم .. أذكياء