للوطن :

حقيقة أننا لا نعترف بالأخطاء، والتجاوزات ليست أسوأ ما يعصف بنا كما يخال الكثيرون.. بل المعضلة الأم هي أنك – وإن انتزعت اعترافا علنيا أم ضمنياً بوجود خلل ما؛ فإنك لا تستطيع أن تنتزع قراراً أو تحركاً حياله!! نرى في صحف الجيران والأشقاء في الخليج دعوات أو انتقادات تُطلق: من ناشطين، محللين، مفكرين أو صحافيين، ونرى كيف تُعاجل باستجابة في اليوم التالي.. تحقيقات صحافية في دول كمصر والمغرب تطيح بوكلاء ومسؤولين، وتؤدي في دولة تتنازعها آلاف المعضلات يومياً لالتفاتة عالية ولقرار عاجل.. أما نحن – وعلى قلة مواضيعنا – نعجز عن انتزاع استجابة حقيقية، وأقصى ما نحصل عليه هو الردود المتفذلكة المعلبة التي تقذفنا بها أقسام العلاقات العامة، أو اتصالات تهديدية أو ”تهزيئية” هدفها طمر السيرة أو تمييعها..!!
بعض المسؤولين في البلاد يمايزون المشكلات ويعترفون بها.. ويقرون بما يقال ويكتب في اجتماعاتهم ولقاءاتهم برؤسائهم ومرؤوسيهم، ولكن النتيجة تبقى صفر/ واحد لصالح الأخطاء القائمة.. لذا نقولها بملء الفم إن قطعاً كبيراً من مشاكلنا إداري محض، لاحظوا معنا مكمن الخلل:

صف أول مكتنز بالإداريين وكبار المسؤولين متداخلي المهام والصلاحيات.. وصفوف تابعة من المسؤولين بلا صلاحيات لاتخاذ أبسط القرارات دون العودة للرئيس.. وبذلك تتجمع خيوط اللعبة في يد رأس الهرم في الوزارة/ الإدارة /المؤسسة.. ولحربة تلك المركزية رأسان: فمن جهة يتم التراخي في معالجة السلبيات، لأن معالجتها تتطلب قراراً عالياً لا وقت للمسؤول أن يدرسه في ظل تعدد مهامه المتشعبة ”كان الله في عون مسؤولينا: استقبالات، سفرات، حفلات افتتاح.. إلخ” .. ومن جهة أخرى، ولأن المسؤول عن المحاسبة هو ذاته صاحب القرار، فليس لنا ان نتوقع من المسؤول أن يسائل نفسه أو يعترف بأخطائها وتقصيرها..!! 

هناك دول خليجية خدمتها المركزية نعم، وسلطنة عمان مثال شاخص.. فالمركزية، إن كانت عادلةً قائمة على تلمس الاحتياجات وملاقاتها قد تكون خدومة، سيما في المجتمعات التي لم يختمر نضجها السياسي بعد. بيد أن المفارقة هنا هي أن المركزية في البحرين لم تنفعها.. وحتى عندما فتح الباب موارباً للشعب ليشارك في القرار لم ينتفع أحد أيضا..!! جزئياً نلوم أنفسنا لأن من اخترناهم ليمثلونا عاجزون حتى عن خدمة أنفسهم، لذا ضيعوا وقتهم ووقتنا في استمطار المنجزات والشعبية عبر طوفان من الكلام والاستعراض السمج. نعم سقف صلاحياتهم منخفض إلا أنهم – كثير منهم على الأقل- أثبتوا بأنهم لا يبلغون طول هذا السقف أيضا بسبب تواضع حنكتهم وقدرتهم.. 

مشاكلنا في البلاد واضحة نقول.. والحلول كلها واضحة.. بعضها مكلف ويتطلب إنفاقاً أو مواجهات ومماحكات، وبعضها الآخر عابر لا يكلف شيئاً ولا يهز عرشاً ولا يستفز أحداً ولكنه لا يتخذ أيضاً.. ديوان الرقابة المالية أصدر تقارير جد مهمة، وهناك دراسات مثمرة خرجت من فرن مركز البحرين للدراسات والبحوث، ومن جهات عدة أخذت على عاتقها عبء تشخيص مكامن الخلل والإضاءة على الحل.. ولكن كل تلك الجهود منقوصة لأنها لم تكلل بقرار. وكم نحن بحاجة اليوم لجهة.. لوزارة تخطيط تتابع وتدفع باتجاه القرارات وتتابع تطبيقها أيضا.. فلا يخفى عنكم أن القرارات – وحتى عندما تتخذ – قلما ما تطبق أو تفعَل وهذا بذاته هم آخر، لن نتحدث عنه حفاظاً على أعصابكم وأعصابنا.!!

– يتبع