للوطن :
قضايا الشِّجار من القضايا التي يتم التعامل معها بخفة رغم ما تنحو إليه من عدوانية لا تُؤَمن عقباها أحياناً.. كلكم يذكر قتيل المحرق؛ وكيف حرمته رصاصة غاضبة آثمة من الحياة بسبب خلاف على أسبقية المرور.. والقضية موضوع الحديث اليوم التي وقعت في سترة إبان العيد- كانت لتقود للنهاية المفجعة ذاتها؛ لولا أن الله سلم..
الحكاية بدأت برفع شاب لمذياعه على أشده أمام واجهة منزل عائلة لم يرق لها الضجيج الذي أيقظ رضيعهم .. فخرج أحد أرباب المنزل للشاب وأمره بالابتعاد أو خفض الصوت، ولكن الشاب أبى واستكبر.. ولم يخلُ الأمر بطبيعة الحال من التلاسن والزجر والنهر.. بعدها؛ عاد رب البيت أدراجه بعد أن فشل في ردع الشاب الذي ربض بعدها لسويعات ثم توارى زهاء الساعة، وعندها سمعت العائلة الخبر المفجع..
الشاب الذي سيتحول الآن لمعتدٍ، وهكذا سنشير له فيما تبقى من المقال- عاد للموقع ذاته مع إخوته وأصحابه في 3 سيارات، ولم يجدوا على ما يبدو رب البيت الذي تمت المشادة معه فصدموا أخاه الأصغر (27 سنة) لأنه من شاءت الأقدار حينها أن يكون أمام باب البيت.. قوة الصدمة قذفته في الهواء فطار لعدة أمتار، هبط بعدها بكسور طالت الكتف والساعد والظهر.. ولم يكتفِ المعتدون بذلك بل حاولوا دهس اثنين من إخوته ولكنهم تفادوهم.. ولولا تدخل أهل القرية حينها لوقعت جريمة قتل، لأن السيارات الثلاث ظلت تتعقب أهله بحالة هستيرية في محاولة لدهسهم!!
تم تجبير جسم المصاب الذي طالت الكسور والرضوض جسده كله، وتم إبلاغ مركز شرطة سترة في الحال، ولكن القبض على المعتدين استغرق 4 أيام وسط غضب واستياء الأسرة المنكوبة. ولم يتم الحجز إلا على واحد منهم، فيما أطلق سراح الباقين الذين شاركوا جماعياً في الاعتداء الذي تم على مرأى ومسمعِ مَن بالحي جميعاً..
السيناريو القادم شبه معروف؛ فمن شرطة سترة للنيابة متموضعة في الدبلوماسية ومنها للمحكمة التي تقع في الجوار، درب ألف ميل ومئات الأيام وعشرات الأشهر وبضع سنين.. كثير من تلك القضايا صنفت ختاماً قضية شجار وحكم فيها على المعتدي بـ50 ديناراً كغرامة.. وفي خضم كل هذا؛ وحيث إن الخصمين يعيشان في بقعة واحدة ”وأثبت طرف منهما على الأقل نزوعه للإجرام والانتقام” فقد يتصاعد الموقف وقد لا يتصاعد؛ ولكن إلى متى سنظل تحت رحمة المفاجآت، ونحن نعلم بما في المعطيات من شبهات وخطورة. من يستطيع أن يقدم ضمانات أن المعتدي ”أو صحبه أو أهله” لن يسعوا للانتقام مجددا بضرب الأسرة؟! ومن يملك ضمانات أن أسرة المعتدى عليه لن تسعى لحل مشكلتها بالذراع في ظل تماهي السلطات مع قضايا كهذه؟!
مستوى العدائية والعنف في مجتمعنا يتصاعد تباعاً.. فهناك ضعف في صلاحيات الشرطة؛ وارتخاء في قبضة القانون وبطءٌ قاتلٌ في تطبيق العدالة.. على الضفة الأخرى هناك تغيرات عدة طرأت على المجتمع البحريني: شباب محتقن من واقعه وحياته وعلى أهبة الانفجار لأي سبب.. أعراق جديدة تمازجت قيمها بمجتمعنا دونما إدراك منا.. لذا فإن الحوادث على هذه الشاكلة ستزداد وستلبس لبوساً درامياً في المرحلة القادمة، إن لم تشد العدالة قبضتها ويرفع الأمن أهبته وهيبته..