للوطن :
سلسلتنا لم تنته، فمازال السؤال الموجع الحراق عالقاً.. إلى أين يذهب هذا الوطن؟
وبما أننا في خضم عملية جرد حساب كبيرة.. ولأن الديمقراطية – التي هي منفذنا الوحيد من مشكلاتنا العالقة – هي منظومة حياة لا تختزل في حكومة ولا في فكر سياسي.. فعلينا أن نواجه أنفسنا ببعض النقد.. فالديمقراطية الحقيقة – في دول العالم قاطبة – بحاجة إلى معارضة حقيقة.. وحركة شعبية تقومها وتحفظ توازنها؛ تُصدقها وتحارب اكتناز الثروة وعدم تدوير السلطة.. معارضة حصيفة عاقلة؛ تساهم في صوغ القرار وحفظ مكتسبات الوطن.. وللاعتبارات أعلاه فإن المعارضة البحرينية.. والحركة الشعبية السياسية قاطبة، موعودةً منا اليوم ببعض النقد والتقريع.
في التوطئة نقول إن الحركة السياسية الشعبية في البحرين هي الأعرق؛ إذ ولدت في العشرينات.. وبطبيعة الحال ازدهت وازدهرت على يد الأفندية والمتعلمين والمثقفين؛ وبعض رجالات الدين المتنورين الذين كانت منطلقات عملهم «سياسية لا دينية»، إضافة إلى المؤدلجين طبعاً وفي يد هؤلاء بقيت الشعلة حتى انتقلت إلى رجال الدين من الطائفتين.. ومنها بدأت الانتكاسة!.. نعرف أن ما نقوله ثقيل على السمع.. ونكاد نسمع تهم العلمانية ومعاداة رجال الدين تغلي في الحلوق الآن.. ولكنها وجهة نظر لا نطالبكم سوى بسماعها وممايزتها، ولكم لاحقاً أن تتقبلوها أو ترموها في البحر.
لتكون المعارضة مهيبةً وذات ثقل وتأثير – هنا وأينما كان – يجب أن تكون معارضة وطنية.. تمثل أطياف الوطن وتلاوينه، وتعمل ضمن أجندة تنظر للوطن كوحدة.. ولأبناء الوطن كافة بعين واحدة.. المعارضة في البحرين وطنية نعم، وإجمالاً القوى السياسية كافة كذلك. ولكن اللبوس الفئوي الطائفي الذي تتوزر به لطالما سهل ضرب صدقيتها وتقويض شعبيتها.. كثير من مطالبات المعارضة مطالب عادلة شرعية، ولكنها قلما تحظى بإجماع ومدد شعبي كافٍ رغم ما فيها من خير لمستقبل الديمقراطية والرفاهة في البلاد. ذاك لأنها تفسر في أحسن الأحوال بأنها «ترجمة لمصالح فئوية طائفية ضيقة» وأحياناً، للإمعان في صلبها بأنها «تنفيذ لأجندة خارجية لزعزعة الأمن في البلاد»!
للسبب أعلاه.. كثيرٌ من مطالباتنا الوطنية أُجهضت.. وللسبب أعلاه كثيرٌ من الفرص فُوتت.. وكثير من أزماتنا تأصلت وجذرت.. فأمام القيادة وذوي القرار – وفئات من العوام – وفي عين فئة من المراقبين الإقليميين.. معارضتنا لا تملك صدقية تكفي للثقة بها ودعمها؛ لاسيما لما يبدو للعيان من أن تحشدها واصطفافها قائم على أسس ومصالح ضيقة.
هيمنة العمائم واللحى على المشهد السياسي – في تقديري – هي السبب.. لا انتقاصاً من هيبة العمائم ولا من دلالات اللحى، بل لأن الحركات الشعبية لا يمكن أن تجتمع ضمن تنظيم وطني متمكن وسط الانقسامات العميقة التي توجد بين التيارات الإسلامية بصيغتها الحالية.. فالتحالفات الوطنية الناجعة، التي نحتاج مثلها لننهض، يجب أن تقوم على أساس المشروعات والبرامج السياسية والرؤى التي تتبناها القوى والجماعات لا على أسس عقائدية مرجعية.
إن المحاولة اليتيمة التي جرت في السنوات الأخيرة للم شمل بعض القوى في ما سُمي «التحالف الرباعي» انقسمت سريعاً.. وانشطرت ذاتياً من جراء الاختلاف على أسلوب التعاطي مع القضايا الوطنية المصيرية ومدى مواءمة العودة للمرجعيات الدينية في الخارج بشأن قضايا الداخل (الأحوال الشخصية مثالاً). فإن كان تحالف كهذا بين الشيعة واليسار والقوميين قد فشل في الصمود.. فلا شك أن الحلم بتحالف يضم المستقلين والقوى السلفية والأخونجية كذلك.. يبدو ضرباً من الخيال!
نقول.. حتى تعيد الحركات الشعبية في البحرين تنظيم صفوفها على أسس جديدة.. وحتى يخرج من رحم هذه البلاد تنظيم وطني متمكن له شعبية في المحرق كما له في سترة والمعامير.. ومعارضة تقول فتُسمع في قلالي كما تُسمع في العكر.. فلن تذهب البحرين.. إلى أي مكان!
يتبع