للوطن :

في 1979 خلق نجاح الثورة الإسلامية في إيران صدمة للعالم وللمجتمعات الخليجية بشكل خاص.. تلك التي كانت ترى في شاه إيران وشرطته السرية ”السافاك” نموذجاً مهيباً للقوة والسلطة والرفاه والنفوذ.. فمشهد إرغام الشاه على مغادرة إيران -صاغراً- وهو الذي كان يتعالى حتى على رؤساء الدول، ومشهد وصول الخميني على طائرة الخطوط الفرنسية لمطار طهران بخطى المنتصر.. كانا كابوسا مافتئ يطارد مخيلة الكثير من زعماء العالم لاسيما دول المنطقة التي عاشت قلقا خاصا، قلقا جعلها تعيد النظر في وضع مواطنيها الشيعة.. لاسيما بعد أن نما توجس من أن هذا المعمم المعتلي كرسي إيران يحمل تحت عباءته السميكة خططاً توسعية للاستيلاء والتمدد في المنطقة على حساب جيرانه الصغار.. 
دول الخليج -كل على حدة- تعاملت مع الأمر بصيغتها الخاصة: بعضهم استخدم العصا ولجأ إما لمحاولة محو هويتهم المذهبية أو تقويض نفوذهم خشية أن يُسخر لخدمة إيران.. بعضهم الآخر لجأ للجزرة، فاشترى ولاءهم بدمجهم بالشكل الذي لم يترك لا للعمامة ولا للتومان عليهم سبيلاً.. ومنهم من كان عوانا بين هذا وذاك كالبحرين والكويت .. 

فالكويت، وبعد أن عاش الشيعة ”وجلهم من أصول فارسية” فيها منذ الثلاثينات في بحبوحة وانسجام، بدأت الحكومة تحت قرع الخوف من الثورة -لاسيما بعد اشتعال حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران- في ممارسة درجة من التمييز ضدهم وأقصتهم عن بعض المواقع.. وقامت أعمال عنف متفرقة حينئذ ”كسبب أو كنتيجة” جرت العلاقة بين الأقلية الشيعية والحكومة لخندق مظلم -بدا في وقت ما مسدوداً- ولكن محنة الغزو، والموقف المشرف لشيعة الكويت الذين صمدوا والتفوا حول قيادتهم، خلاف ما توقع الغزاة وأحلافهم، قلب المعادلة مجددا وأعاد العلاقة لجادتها، وهاهم شيعة الكويت يعيشون أوضاعاً أكثر من مرضية، جعلت شيعة الكويت أكبر الداعمين للحكم بعد أن تحررت الكويت من ذعر ”الاختراق الإيراني”.. 

في البحرين، ولتاريخها المرتبط بالمطالبات الإيرانية ولكثافة الحضور الشيعي فيها، ارتفع منسوب القلق وما بارحها من السبعينات ليومنا هذا.. مارد الخوف من إيران جعل ولاء الشيعة -دوما- محل شك.. وأعطى الخوف للسلطات مبرراً لإقصائهم عن المواقع العسكرية بشكل خاص، والحساسة بشكل عام، ما أفضى لتعكير العلاقة بين الطرفين بشكل خدم -بطبيعة الحال- الأصوات التي نفخت وجذرت فكرة ولاء شيعة البحرين لإيران. ورغم أن السنوات لم تثبت -بدليل ملموس- ولاء البحرينيين الشيعة لإيران، إلا أن هذا الهاجس الرسمي خلق حاجزاً لم تستطع البلاد القفز عليه على مدار هذه العقود..!! 

على صعيد شعبي، هناك علاقة مثالية بين السنة والشيعة لم تنجح -حتى تلك المزاعم- في هدمها، وأزعم أن ما من دولة يتمازج فيها السنة بالشيعة بهذا الشكل الحميم كالبحرين.. حتى العلاقة بين القيادة وشطر من الشعب -ورغم التوترات التي تعلو وتخبو- إلا أنها علاقة حقيقة باطنها الحب وإن ظهر منها الغضب.. وما من زعيم في العصر الحديث رفعت سيارته على الأعناق حباً واحتفاء كما حصل مع مليكنا إبان زيارته لسترة.. 

هذا الشعب موالٍ لأرضه وأهله وقيادته -نقول- ولكن شبح الولاء لإيران تدخل في مفاصل حياته وزرع ريبةً مدمرة بين الشعب والقيادة نفخ فيها الخراصون واستثمرها المرتزقة.. وكلنا يبتهل أن لا يأتي اليوم الذي تحتاج فيه البلاد لاختبار ولاء أبنائها ”كما جرى في الكويت”، ولكن يوماً كهذا -معاذ الله- إن جاء، فكلكم يعي في قرارة ضميره أن أبناء هذا الشعب بأطيافهم سيتحولون لجنود مجندة للدفاع عن هذه الأرض وقادتها وأسرتها الحاكمة.. 

وإلى أن يأتي اليوم الذي ترفع فيه البحرين عصا الريبة عن عجلتها.. وحتى يأتي اليوم الذي تقفز فيه البحرين على حائط الهاجس الإيراني وترفع تهم الولاء المجانية عن شريحة من أبنائها المخلصين.. حتى ذلك اليوم نقول.. لن نعرف أبدا.. إلى أين تذهب البحرين..