للوطن :
في التسعينات خرجت أقلام بحرينية مخضرمة تندد بالتكاثر السكاني الضاغط على موارد البلاد.. من يبحث في أرشيف الأمس يجد ما كان يكتب في تقريع – مباشر ومُمَوه – لأهالي القرى بشكل خاص وتحميلهم ذنب تدهور أوضاعهم المعيشية والتعليمية. كل ذلك لأن تعدد الزوجات في أوساطهم كان شائعاً، والإنجاب المتكرر – المتكئ على حائط البركة- عندهم مقبول، وهي إجمالا سمةٌ قروية بامتياز؛ لا تفرق بين أبناء الريف المصري أو الإنجليزي..
تلك الأقلام والدعاوى كانت تعبر عن واقع وحاجة ووجهة نظر رصينة.. فالبحرين – برقعتها ومواردها المحدودة، التي يجعلها سوء توزيع الثروة أكثر ” محدودية”، لم تكن بقادرة على مواجهة المتطلبات المعيشية لأعداد كبيرة من السكان؛ وعدد أقل من السكان كان مرادفاً لرفاهية أكثر.. وقد آتت تلك الضغوطات أُكلها وتحسن الوضع جذريا؛ بانخفاض متوسط الإنجاب في الأسر القروية من 11 طفلا لـ5 في غضون أعوام معدودة..
المفارقة أن تلك الأقلام اليوم لا تنبِس بكلمة – ولا كلمة- في مواجهة التغيير الديموغرافي للسكان؛ بل على العكس تدافع عن التجنيس السياسي الذي أفضى إلى رفع عدد سكان البحرين ليفوق المليون في ظرف سنوات معدودة!! الآن بات الحديث عن الضغط على الموارد والتنمية والخدمات قصراً على ”المعارضة المتحاملة الحاقدة” أما المخلصون فعليهم أن يباركوا تلك الخطوات الميمونة أو يغضوا الطرف عنها.. كلنا مطالب اليوم بـ” فَض سيرة التجنيس” لئلا نوصم بالطائفية أو العمالة أو التحامل على المجنسين.. والحقيقة التي يعرفها الجميع أن البحريني – بفطرته و سجيَته – ليس عنصريا ولا متعجرفاً ولا حقودا ولا منغلقا ولا متغطرساً بل على العكس؛ نحن أكثر الشعوب تماوجا مع الثقافات الوافدة؛ ومؤخرا نشرت دراسة تقول إن الوافدين في البحرين هم الأسعد – تصديقا على ما نقول- وكيف لا وهو يحظون بمعاملة إنسانية قلما يجدون لها نظيرا في العواصم الأخرى..
البحريني ليس متحاملا نقول.. ولكنه مرهق.. لو كانت الوظائف ملقاة على الطريق تنتظر من يأخذها.. ولو كانت المنازل وافرةً فاخرةً لا يشيب المفرق قبل الحصول عليها.. ولو كانت ”الأشيه معدن” لما اهتم البحريني بهذه الأمور.. ولكن الغضبة الاجتماعية تأتي عندما تكون الدولة عاجزة عن إسكان أبنائها وتقدم – مع ذلك – خدمات إسكانية للآخرين.. الغضبة تأتي، لا عندما تنتظر كعاطل دورك في التوظيف 5 سنوات وأنت متيقن من تراتبية وعدالة توزيع الوظائف، بل تأتي عندما تنتظر الوظيفة وأنت تعرف أن ما حجزك عنها أسباب واهية لا مكان لها في قاموس العدالة والإنصاف ثم تراها تذهب سائغة للغرباء..!! تأتي عندما لا تجد في تجنيس من جُنِس إضافة للبلاد بل سلباً منها..
مربط الفرس أننا في البحرين نمشي اليوم للمستقبل بخطى ثقيلة بسبب مشكلاتنا المتشعبة والعالقة؛ وقد جاء هَم التجنيس ليزيد حمولتنا – الثقيلة أصلا- أرطالا تقصم الظهر.. وحتى تتوافق الحكومة مع شعبها فعليها بالكف عن التجنيس غير القانوني.. وأن تغربل هؤلاء بسحب الجنسية – كما ينص القانون- من كل من يقدم منهم على جريمة أو جنحة تثبت عدم أهليته لهذا الشرف.. وحتى تقرر الحكومة أن تميز – إيجابياً- أبناءها بالدم عن أبنائها بالتبني.. فلن تذهب البحرين.. إلى أي مكان…
– يتبع