للوطن :
د.عادل غلوم استشاري عناية مركزة، أسامة العرادي متخصص في أمراض جهاز الهضمي، د.سعاد طريف استشارية مختبر، د.طارق الموسوي استشاري أمراض معدية والعناية المركزة، د.فاضل مولاني ود. وفيق محمود استشاري عناية مركزة، د.محمد السماك استشاري مختبر.
الأسماء أعلاه هي لخيرات البلد من الأطباء المتشرذمين خارج البلاد.. بعضهم يعمل على بعد خطوات في المملكة العربية السعودية، فيما يعمل بعضهم في أبعد نقاط العالم وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية.. كلهم كما ترون يحملون درجة استشاري، وفي تخصصات دقيقة تستجدي مستشفياتنا مثلها، بعضهم (د.طارق الموسوي مثالاً) يحمل تخصصين دقيقين: أولهما في الأمراض المعدية والآخر في العناية المركزة. وهؤلاء نزر يسير من سرب الأطباء البحرينيين في المهجر الذي سمعنا أن عددهم يناهز 200 طبيب (ولا نعلم مدى دقة هذا الرقم بالزيادة أو النقصان)، ولكن الظاهرة شاخصةٌ على أية حال، ولكنها تأخذ على هون، في امتداد لثقافة تجاهل التحديات والمعضلات التي تتبعها الجهات الرسمية.
سببها؟!
حقيقةً – وعالمياً – باتت الكفاءات في المجال الطبي (أطباء وممرضون) عملة نادرة.. لذا فإن الدول لا تستقطبهم بالمال والحوافز والمزايا فحسب؛ بل تمنحهم الجنسية من دون أية تعقيدات كما يحدث في كندا وأستراليا وألمانيا.. لهذا، فإن الكفاءات الاستثنائية تجد نفسها صريعة قوتين: قوة جذب خارجية؛ تقابلها قوة طرد داخلية.. فمداخيل الأطباء في مستشفياتنا مضحكة! إذ إن الطبيب الذي يقضي ربع عمره الافتراضي في الدراسة يتقاضى راتب سكرتيرة تنفيذية في شركة استثمارية، ويتقاضى ربع راتب زملائه في الدول المجاورة! فإن أضفنا إلى ذلك افتقادهم إلى أي تحفيز أو تقدير من الوزارة، وما يتعرضون له من جلد – يومي – من الصحافة؛ وجلد من العوام والمراجعين المستائين والمحتقنين من الخدمات الصحية المبتسرة.. فسنجد أنفسنا أمام واقع طارد جداً، لاسيما للمتميزين وذوي الطموح.
وفيما يرفض بعضهم العمل في البحرين لأسباب مادية، يطلق البعض ساقية للريح لأسباب مهنية.. فبعد أن يعمل الطبيب في المستشفيات المتقدمة (ولو متدرباً) يكتشف أن الطبيب هناك يعامل وفق معيار واحد – ومعيار واحد فحسب – وهو الكفاءة من دون النظر إلى أية اعتبارات عرقية أو عنصرية أخرى.. لذا فإن الأجنبي قد يرتفع على زملائه المواطنين لو أثبت جدارته وتفرده.. والطبيب المتميز قد يحرق المراحل ويترأس من هم أكبر منه عمراً.
المعادلة لدينا مقلوبة تماماً بالطبع. أضف إلى ذلك أن الطبيب المبدع يحتاج إلى تجهيزات حقيقية ليثبت جدارته: طاقم طبي متمكن، أجهزة عالية الفعالية، والأهم من هذا وذاك مستشفى لا يضطر فيه أن يعاين المرضى ويعالجهم في 4 دقائق، ما يؤدي إلى إخفاقه شاء أم أبى من جراء اهتراء المنظومة العامة للعمل.
بعض هؤلاء بدأ الامتعاض يتكلس في نفوسهم إبان فترة تخصصهم؛ فمن كان يطلب منهم (لاسيما ذوي التخصصات النادرة) تمديد فترة الدراسة للحصول على دورة نوعية، يواجه بالرفض! بعضهم كان يسافر (على حسابه الخاص) هرباً من النظام البيروقراطي العقيم المعتمد في الابتعاث، ولرفع مستواه العلمي والبحثي، فيفاجأ برسائل تهديد من الوزارة تطالبه – وهو في الخارج – أن يقطع دراسته ويعود، وإلا فسيطرد من الجَنة (عفواً من العمل في مجمع السلمانية) وسيعتبر مستقيلاً ضمنياً!
أضف إلى ذلك أن هؤلاء الأطباء، وبعد أن يعودوا بشهادة زمالة دولية من جامعات عريقة؛ يفاجؤون بإصرار الوزارة على وضعهم «تحت الاختبار»، وهو ما يعد في قاموسهم إهانة ما بعدها إهانة.. وكثير منهم هجروا الوزارة بعدها ملياً بسبب تجاربهم المؤلمة معها.
هجرة الأطباء تلك تتبعها هجرة المرضى المقتدرين وخسارة الدراويش من أبناء الوطن لهذه الكفاءات.. والوزارة مطالبة بأن تقدم مشروعاً لإعادة هؤلاء بأي ثمن.. فهؤلاء ثروة وطنية، لا يجوز أن تبدد ويستهان بضياعها بهذا الشكل الفج.