للوطن :

الفرق بيننا وبين سوانا من دول الجوار – في تقديري – ليس في أننا نختبر معضلات لا يعرفونها ونوضع تحت رحمة مقادير لا تباغتهم، بل الفرق بيننا هو أننا نرى المشكلة.. ونرى الحل.. ومع ذلك نسمح للمشكلة أن تتضخم، والحل أمامنا ولا نأخذ به.. نترك مشكلاتنا تتعملق لتصبح من الكبر بمكان تطبق فيه على أنسامنا، والحل موجود وماثل أمام أعيننا، ولكننا لا نلجأ إليه ولا نأخذ به.
انخرطت ذات مرة في حوار مع زميل إماراتي أدهشته حقيقة أني أكتب مقالاً يومياً في شؤون محلية «من أين تأتين بالموضوعات والأفكار؟» تساءل بانبهار وأردف «والله، لولا القضية الفلسطينية والشؤون الخارجية لقلصت مقالاتي لمرة كل شهر!» حينها أجبته بحسرة من يتباهى بعلته بأني أضطر أحياناً لدمج 4 أفكار في مقال واحد لقصور مساحتي عن احتمال موضوعاتي. وما كذبت، فالصحافي في البحرين، وأينما تلفت، يرى مرأى العين معاناة الناس ويشم أوجاعهم ويرى المشكلات، ويقع على الحلول، فيتم تجاهلها وتبقى قائمة، وتتعقد، فيعاود طرحها؛ وعليه فمشكلاتنا كنبع الحمم الذي لا ينضب.

استحضرت هذا الحوار يوم أمس وأنا أقرأ تصريح رئيس جمعية مرضى السكلر زكريا كاظم الذي تحدث عن وفاة محمود عبدالحسين (28 عاماً) وحالة أخرى لم تتجاوز من العمر 30 عاماً في ظرف أسبوع واحد ليرتفع عدد الوفيات منذ بدء العام إلى 19 حالة.

كاظم، ومثله المرضى وأهاليهم والصحافة والنواب، جفت حلقوهم – وعلى مدار سنوات – وهم يتحدثون عن سوء الرعاية الطبية التي أودت بحياة الكثيرين على مدار السنوات الماضية في وتيرة تتسارع تباعاً.. تحدثوا عن العذاب، ونعني العذاب الذي يفتك بمرضى السكلر في قاعات الانتظار ويجعلهم يتمنون الموت على تلك الدقائق والساعات المُرة.

المشكلة معروفة للجميع ولكل صاحب قرار في هذه البلاد.. وملف مرضى السكلر كان دائماً في استقبال كل وزير جديد ممن تعاقبوا على الوزارة.. ولم يطالب أحدٌ الحكومة بدواء سحري للمرض، ولا بتبني بحوث للقضاء عليه، ولا بتوفير العمليات المكلفة الموجودة في إيطاليا لتطويقه.. كل ما طلبه هؤلاء هو مستشفى – أو وحدة أو جناح على أقل تقدير – يخدم مرضى السكلر الذين تجاوز تعدادهم في البحرين 18 ألف مصاب، إضافة إلى 65 ألف حامل للمرض.

الأمر لا يحتاج إلى ثورة ولا إلى فكر عبقري جبار.. هم مواطنون يحملون مرضاً شرساً يباغتهم من دون إنذار ويقطع أوصالهم من دون رحمة، ويحتاجون إلى مكان لا يضطرون فيه لأن ينتظروا ساعات ليتلقوا عناية طبية ولا يحتاجون فيه أن يشرحوا للطبيب والممرضين طبيعة مرضهم والعلاج المناسب لهم في كل مرة.
أفي الأمر ما يُستعصى حله أو فهمه أو تحقيقه؟!

لمَ تعلق مشكلة بهذا الحجم طوال هذه السنوات والحل بجرة قلم أو بدفعة صادقة من قيادي في الدولة؟

وعدت وزارة الصحة بمستشفى، ثم «قلصت» الوعد لوحدة تحمل 15 سريراً، وقلنا «معليش»، ثم ضيقت الخيار لـ 6 أسرة وقلنا «ولا الحريمة»، ولكن الوعود لا تشفي الألم والمشكلة في ازدياد، خصوصاً أن الوزارة تخاذلت حتى في توفير اللقاحات الخاصة بالأطفال المرضى والكفيلة بتقليص معاناتهم مستقبلاً مع المرض.
سؤال بريء.. 

لو كانت المطالب – ذاتها – قائمة في إحدى دول الجوار.. أكانت ستظل عالقة كل هذا الوقت من دون أن تقابل باستجابة؟